بسيوفهم الحداد، ومزّقت رماحهم من مخالفي دينهم القويم القلوب والأكباد، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم التّناد.
وبعد، فلمّا كانت المملكة القبليّة جلّ البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاجّ إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيّه عليه أفضل الصّلاة والسلام، وإلى الأرض المقدّسة، التي هي على الخيرات مؤسّسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التّجار قاصدين الدّيار المصريّة، ومنازل العربان، ومواطن العشران «١» - وجب أن يفوّض حكمها إلى من عرف بالشّهامة والشجاعة، واليقظة الّتي لا يغفل بها عن مصلحة المسلمين ساعة؛ من أثمر غرسه وما يفوّه، وأينع بالمروءة والفتوّة، وتقدّم في الكمال على زيد وعمرو، وأضرم في قلوب الأعداء نارا أحرّ من الجمر.
وكان الجناب الكريم- أدام الله نعمته- هو المشهور بهذه الصّفات، والمنعوت بالشّجاعة والإقدام وحسن الأدوات.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يثّمر غرسا، وجوده يسرّ نفسا- أن يستقرّ الجناب المشار إليه في كشف البلاد القبلية المحروسة على منوال من تقدّمه وعادته، وحدوده في ذلك ومستقرّ قاعدته.
فليباشر ذلك بهمّته العليّة، وشجاعته الأحزميّة، ونفسه الأبيّة، وليبيّض وجهه في هذه النّوبة حتّى يطرب الناس بالنّوبة الخليليّة، وليعدل في الكبير والصغير، وليقمع رؤوس عشير اتخذوا رأسهم مولى: فلبئس المولى ولبئس العشير، وليدفع أذى العرب، وليحذّرهم شرّا اقترب، وليكثر الركوب إلى المعاملات، ولا يخش من كثرة الحركات، وليعلم أنّ كلّ ما هو آت آت، وليتخذ الشّرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند