عاين «البصريّ» فرائد نحرها لقال: كلّ هذه درّة الغوّاص، والعزائم الّتي رامت المناصب فما قبلت من خزانتها سوى الرّفيع وما رضيت من ديوانها سوى الخاص؛ كم نبّهت منه المقاصد «عمر»«١» ثم نامت!، وكم أجلسته كواكب اليمن في صدر محفل ثم قامت!، كم حوى من الحمد سنيّا!، وملأ الرّباع خيرا وفيّا!، وقيض الله للفقراء والأيتام حنانا من لدنه وزكاة وكان تقيّا.
فلذلك رسم بالأمر الشرّيف- لا برح صالح الدّهر كالزّهر، مالك نفوس الأولياء والأعداء: هاتيك بالإنعام وهاتيك بالقهر- أن يفوّض إليه نظر الخزانة العالية مضافا إلى ما بيده من نظر الخاصّ الشريف: لأنّ مثله لا يصرف عن وظيفة بسناه تعترف، ومن نداه تغترف، وأنّ اجتماع العدل والمعرفة قاض بأنّ «عمر» لا ينصرف، وأنّ الخاصّ لخاصّ الأولياء أمسّ مكانة، وأنّ الخزانة أنسب بمن عرف بالصّيانة، وأنّ خزائن الأرض، وهي مصر لو نطق نظيرها لقال: ليس لي مثل هذه الخزانة، وأنّ عين الأعيان أولى بالنّظر، وأنّ الأنظار لا بل الصّحابة أحقّ ب «عمر» ؛ لما علم من سيرته النّقيّة، وسريرته التقيّة، وصفاته الّتي يمتدّ فيها نفس القول حتّى ينقطع وفي الأوصاف بعد بقيّة وبقيّة.
فليباشر ما فوّض إليه من أعلى المراتب المنجبات، والوظائف المعجبات المعشبات، والجهات الّتي ما لها كبيته الطّيّبي: والطّيّبون للطّيّبات، مستجدّا من نظر هذه الخزانة ثوب سعده الجديد، معملا في مصارف الذّهب والفضّة بصر آرائه الحديد، منبّها لها عزمه العمريّ ونعم من ينبّه، مشبها في الكفاءة أباه المرحوم وما ظلم من أشبه، مقرّرا من أحوالها أحسن مقرّر، محرّرا من أمورها أولى ما اعتمد والخزانة أولى بالمحرّر، حافظا لمالها بقلم التّحصيل حتّى ينفّذ قلم الإطلاق، صائنا لوفرها حتّى ينفقه الكرم خشية الإمساك بعدما أمسكه الصّون خشية الإنفاق، مستدعيا من أصنافها كلّ ما تنوّع وتصنّف، وتوشّع