وبعد: فإنّ أولى من لحظته عين العناية والقبول، وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسّول، وأعزّ من رقي ذرا المعالي وارتقى، وأجلّ من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالدّيانة والتّقى- من سارت سيرة فضله في الآفاق، ودلّ على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق، واشتهر بالعلوم الجزيلة، والمناقب الجليلة، وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة، وأظهر من العلوم الشريفة، ما حيّر العقول، وحقّق من المسائل اللّطيفة، ما جمع فيه بين المنقول والمعقول، ودقّق المباحث حتّى اعترف بفضله الخاصّ والعام، وفرّق بين الحقيقة والمجاز فلا يحتاج إلى استعارة إذا تشبّه الأخصام، وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضيّة، وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدّمة في كلّ قضيّة، وثابر على إلقاء الدّروس في وقتها وأوانها، وقرّر كلّ مسألة في محلّها ومكانها، وأفاد طلّاب العلم الشريف من فوائده الجمّة، وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كلّ غمّة، وجال في ميادين الدّروس فحيّر الأبطال، وحاز قصب السّبق في حلبة اللّقاء فردّ متأسّفا كلّ بطال، ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها، وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضيّة فوافق المشروط في شرطها، وجمع ما تفرّق من شملها فأجمل وفصّل، وحفظ أموالها فحصّل وأصّل؛ فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة، والناظر الّذي حمدت الأمور تصرّفه، والإمام الّذي ائتم الأنام بأقواله وأفعاله، والعالم الّذي يحمد الطالب إليه شدّ رحاله، والمدّرس الّذي أفاد بفقهه المفيد النافع، وترفّع في البداية والنّهاية فهو المختار في المنافع، وسلك منهاج الهداية، فنال من العلوم الغاية؛ فبدائع ألفاظه لعقائد الدّين منظومة، وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة.
ولما كان فلان- أعزّ الله تعالى أحكامه، وقرن بالتوفيق والسّداد نقضه وإبرامه، هو المشار إليه بالأوصاف والنّعوت، والمعوّل عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت، والمشكور أثر بيته المشهور، والمنشور علم علمه من