بعروتها الوثقى انفصال ولا انفصام، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الملك العلّام، والهادي إلى الحق بواضح الإرشاد والإعلام، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمة الإسلام، وهداة الخلق إلى دار السّلام، خصوصا أبا بكر الصديق الذي سبق الناس بما وقر «١» في صدره لا بمزيّة صلاة ولا بمزيد صيام، وعمر بن الخطّاب الذي كان له في إقامة الحق أعظم مقام، ومن أهل الصلاح والفساد انتقاء وانتقام، وعثمان بن عفّان الذي جمع القرآن فحصل لشمل سوره وآياته بما فعل أحسن التئام، وأنفق ماله محتسبا لله تعالى فحاز من الثواب رتبة لا ترام، وعليّ بن أبي طالب الذي كان صهر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وابن عمه ووارث علمه اللهام «٢» ، والمجادل عن دينه بالعلم والمجاهد بين يديه بالحسام، والباقين من العشرة الكرام، صلاة تستمدّ بركاتها وتستدام، وينمو فضلها بغير انقضاء ولا انصرام.
وبعد، فإن الله تعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم بشرعه الذي ارتضاه، ودينه الذي قضاه، وحكمه الذي أبرمه وأمضاه، فبلّغ الرسالة، وأوضح الدّلالة، وأفصح المقالة، وجاهد في الله طوائف الأعداء، وأمال الله تعالى إلى قبول قوله وتصديقه من سبقت له العناية من الأودّاء، ونصره على مخالفيه من المشركين والحاسدين حتّى مات كل منهم بما في نفسه من الداء، وبيّن الطريق، وبرهن على التحقيق، فأعلن النّذارة والبشارة، ومهّد قواعد الدين تارة بالنص وتارة بالإشارة، وتمّ الدين بإحكام أحكامه، وشيّدت قواعده بإعلاء أعلامه، وعمّت الدعوة وتمّت، وفشت الهداية ونمت، ودخل الناس في الدين أرسالا، وبلغت نفوس المؤمنين من إعلاء كلمة التوحيد آمالا، وأصبحت الخيرات والبركات تتواتر وتتوالى، وخمدت نار الشّرك وطفئت مصابيح الضلالة ووحّد الله تبارك وتعالى.
فلمّا تكامل ما أراد الله تعالى إظهاره في زمانه، وتمّ ما شاء إبرازه في إبّانه، وأعلنت الهداية، ومحيت الغواية، وقام عمود الدين،