التقوى مبانيها فيحطمها كرمنا فنؤدّي الجزاء عنها موفورا؛ فاستقصينا ذلك في ممالكنا الشريفة مملكة مملكة، واستطردنا في إبطال كل فاحشة موبقة مهلكة، فعفّينا من ذلك بالديار المصرية ما شاع خبره، وظهر بين الأنام أثره، وطبّقت بمحاسنه الآفاق، ولهجت به ألسنة الدّعاة والرّفاق: من مكوس أبطلناها، وجهات سوء عطّلناها، ومظالم رددناها إلى أهلها، وزجرناها عن غيّها وجهلها، وبواق سامحنا بها وسمحنا، وطلبات خفّفنا عن العباد بتركها وأرحنا، ومعروف أقمنا دعائمه، وبيوت لله عز وجل أثرنا منها كل نائمة؛ ثم بثثنا ذلك في سائر الممالك الشامية المحروسة، وجنينا ثمرات النصر من شجرات العدل التي هي بيد يقظتنا مغروسة.
ولما اتّصل بعلومنا الشريفة أنّ بالمملكة الطرابلسية آثار سوء ليست في غيرها، ومواطن فسق لا يقدر غيرنا على دفع ضررها وضيرها، ومظانّ آثام يجد الشيطان فيها مجالا فسيحا، وقرى لا يوجد بها من [كان]«١» إسلامه مقبولا ولا من [كان]«٢» دينه صحيحا، وخمورا يتظاهر بها ويتصل سبب الكبائر بسببها، وتشاع بين الخلائق مجهرا، وتباع على رؤوس الأشهاد فلا يوجد لهذا المنكر منكرا، ويحتجّ في ذلك بمقرّرات سحت لا تجدي نفعا، وتبقى في يد آخذها كأنها حيّة تسعى.
ومما أنهي إلينا أن بها حانة عبّر عنها بالأفراح قد تطاير شررها، وتفاقم ضررها، وجوهر فيها بالمعاصي، وآذنت لولا حلم الله وإمهاله بزلزلة الصّياصي، وغدت لأهل الأهوية مجمعا، ولذوي الفساد مربعا ومرتعا، يتظاهر فيها بما أمر بستره من القاذورات، ويؤتى بما يجب تجنّبه من المحذورات، ويسترسل في الأفراح بها بما يؤدّي إلى غضب الجبّار، وتهافت النفوس فيها كالفراش على الاقتحام في النار.
ومنها- أن المسجون إذا سجن بها أخذ بجميع ما عليه بين السجن وبين