للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصاحب قسطنطينيّة قد اجتمعا في نوبة دمياط فغلبا وهزما وكسرا، أراد أن يظهر قوّته المستقلّة بمفردها، وعزمته القائمة بمجرّدها، فعمر أسطولا استوعب فيه ماله وزمانه: فإنه إلى الآن منذ خمس سنين يكثّر عدّته، وينتخب عدّته، ويجتلب مقاتلته إلى أن وصل منها في السنة الخالية إلى إسكندريّة أمر رائع، وخطب هائل، ما أثقل ظهر البحر مثل حمله، ولا ملأ صدره مثل خيله ورجله؛ ما هو إقليم بل أقاليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قطّ بنظيره لولا أنّ الله خذله؛ ولو ذهبنا نصف ما ذهب، فيه من ذهب، وما أخذ منه من سلاح وخيل وعدد ومجانيق، ومن أسر منه من خيّالة كبار، ومقدّمين ذوي أقدار، وملوك يقاطعون بالجمل التي لها مقدار، وكيف أخذه وهو في العدد الأكثر بالعدد الأقلّ من رجالنا، وكيف نصر الله عليه مع الأصعب من قتاله بالأسهل من قتالنا، لعلم أنّ عناية الله بالإسلام تغنيه عن السلاح، وكفاية الله لهذا الدّين تكفيه مؤونة الكفاح؛ ومن هؤلاء الجنويّين الذين يسرّبون الجيوش- البنادقة- البياشنة «١» - الجنوية كلّ هؤلاء تارة لا تطاق ضراوة ضرّهم، ولا تطفأ شرارة شرّهم، وتارة يجهّزون سفّارا يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة، وتقصر عنهم يد الأحكام المرهوبة؛ وما منهم الآن إلا من يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده، ويتقرّب إليها بإهداء طرائف أعماله وبلاده؛ وكلّهم قد قرّرت معه المواصفة، وانتظمت معه المسالمة، على ما نريد ويكرهون، ونؤثر ولا يؤثرون «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>