وأمير المؤمنين بحر ينتشيء من آله السّحاب المنزّل، ويمدّهم جوادّ العطاء الأجزل- أمر بكتبه لما عرضت لمقامه رقعة بكذا وكذا، وخرج أمر أمير المؤمنين إلى وليّه وناصره، وأمينه على ما استأمنه الله عليه وموازره، السيد الأجلّ الذي لم تزل آراؤه ضوامن للمصالح كوافل، وشهب تدبيره من سماء التوفيق غير غاربة ولا أوافل، وخدمه لأمير المؤمنين لا تقف عند الفرائض حتّى تتخطّى إلى النّوافل، وجاد فأخلاف النّعم به حوافل، وأقبل فأحزاب الخلاف به جوافل، وأيقظ عيونا من التدبير على الأيّام لا تدّعي الأيّام أنها غوافل- بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بإقطاع ناحية كذا بحدّها، والمعتاد من وصفها المعاد، وما يدلّ عليه الديوان من عبرتها «١» ، ويتحصّل له من عينها وغلّتها، إلى الديوان الفلانيّ:
إقطاعا لا ينقطع حكمه، وإحسانا لا يعفو رسمه، وتسويغا لا يطيش سهمه، وتكميلا لا يمحى وسمه، وتخويلا لا يثنى عزمه، يتصرّف فيه هذا الديوان ويستبدّ به مالكا، ويفاوض فيه مشاركا، ويزرعه متعمّلا ومضمّنا، ويستثمره عادلا في أهله محسنا، لا تتعقّبه الدواوين بتأوّل ما، ولا الأحوال بتحوّل ما، ولا الأيّام بتقلّبها، ولا الأغراض بتعقّبها، ولا اختلاف الأيدي بتنقّلها، ولا تعترضه الأحكام بتأوّلها.
وقد أوجب أمير المؤمنين على كلّ وال أن يتحامى هذه الناحية بضرره، ويقصدها بجميل أثره، ويحيطها بحسن نظره، ويتّقي فيها ركوب عواقب غرره، ويجتنب فيها مطالب ورده وصدره، ونزول مستقرّه، ولا يمكّن منها مستخدما، ولا يكلّف أهلها مغرما، ويجريها مجرى ما هو من الباطل حمى، ما لم يقل فيها بميل، أو يخف من سبلها سبيل؛ وله أن يتطلّب الجاني بعينه، ويقتضيه بأداء ما استوجب من دينه، وأخذه مسوقا بجرائم ذنبه إلى موقف حينه؛ فمن قرأه فليعمل به.