الحمد لله الذي جعل بدر الدين تماما على الّذي أحسن، وإماما تقتدي النجوم منه بالضّياء الأبين والنّور الأزين، ونظاما يجمع من شمل الذّرى ما يغدو به حماه الأحمى وجنابه الأصون.
نحمده حمد من أعلى صوته وصيته أعلن، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تغدو وتبدو عند الذّبّ وفي القلب مكانها الأمكن، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ونبيّه الذي أوهى الله به بناء الشّرك وأوهن، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ورضي عمّن آمن به وعمّن أمّن.
وبعد، فإنّ خير النّعماء ما أتي به على التّدريج، وأتى كما يأتي الغيث بالقطر والقطر لإنبات كل زوج بهيج، وأقبل كما تقبل الزيادة بعد الزيادة فبينا يقال: هذا خليج يمدّه البحر إذ يقال: هذا بحر يستمدّ منه كلّ خليج، وبينا يقال: هذا الأمير، إذ يقال: هذا الممير، وبينا يقال: هذا الهلال، إذ يقال: هذا هو البدر المنير.
ولمّا كان فلان من هذه الدّولة بموضع الغرّة من الجبين، وسكان الرّاحة من اليمين، وله سوابق خدمة لا يزاحمه أحد في طرق طروقها، ولا تستكثر له زيادة بالنسبة إلى موجبات حقوقها؛ وهو من التّقوى بالمحلّ الأسمى، على غيره من الطّرّاق، والمكان الأحمى، الذي مكانه منه- وإن كان أمير مجلس «١» - صدر الرّواق، وله الكرامات التي ترى الخدود لها صعر، وكم سقت من سمّ العداة دافة الذّعر، وكم قابل نوره نارا فصارت بردا وسلاما، وتكلّم على خاطر فشاهد الناس منه شيخا من حيث الشبيبة أجلّ الله قدره غلاما؛ فهو المجاهد للكفّار، وهو المتهجّد في الأسحار، وهو حاكم الفقراء وإن كان سلطانه جعله أستاذ الدّار؛ وهو صاحب العصا التي أصبح بحملها مضافة إلى السّيف يتشرّف، ومعجزها لا يستكثر له أنها لكلّ حيّة تتلقّف، وهو الذي تحمد الكشوف والسّيوف فتوحه وفتحه، والذي يشكر يده عنان كلّ سابح وزمام كلّ سبحة؛ وكم أسال بيديه من دماء الأعداء ماء