والثاني بمدينة الإسكندريّة، والقائم به خليفة مرقس تلميذ بطرس الحواريّ المقدّم ذكره وخليفته بها؛ والثالث بمدينة بزنطية: وهي القسطنطينيّة؛ والرابع بمدينة أنطاكية من العواصم التي هي في مقابلة حلب الآن؛ والخامس بالقدس. وكان أكبر هذه الكراسيّ الخمسة كرسيّ رومية لكونه محلّ خلافة بطرس الحواريّ، ثم كرسيّ الإسكندرية، لكونه كرسيّ مرقس خليفته.
ثم اصطلحوا بعد ذلك على أسماء وضعوها على أرباب وظائف دياناتهم، فعبروا عن صاحب المذهب بالبطريق، وعن نائب البطرك بالأسقفّ، وقيل الأسقفّ عندهم بمنزلة المفتي، وعن القاضي بالمطران، وعن القاريء بالقسّيس، وعن صاحب الصلاة وهو الإمام بالجاثليق «١» ، وعن قيّم الكنيسة بالشّمّاس، وعن المنقطع إلى المولى للعبادة بالرّاهب.
وكانت الأساقفة يسمّون البطرك أبا، والقسوس يسمون الأسقفّ أبا، فوقع الاشتراك عندهم في اسم الأب، فوقع اللّبس عليهم، فاخترعوا لبطرك الإسكندرية اسم الباب، ويقال فيه البابا «٢» بزيادة ألف، والبابه بإبدال الألف هاء، ومعناه عندهم أبو الآباء: لتمييز البطرك عن الأسقفّ، فاشتهر بهذا الاسم، ثم نقل اسم الباب إلى بطرك رومية لكونه خليفة بطرس الحواريّ؛ وبقي اسم البطرك على بطرك الإسكندرية وغيره من أصحاب الكراسيّ.
واعلم أن النّصارى مجمعون على أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنوميّة؛ ويفسّرون الجوهر بالذّات والأقنوميّة بالصّفات: كالوجود والعلم والحياة؛ ويعبرون عن الذّات مع الوجود بالأب، وعن الذّات مع العلم بالابن؛ ويعبرون عن الذّات مع الحياة بروح القدس؛ ويعبّرون عن الإله باللّاهوت، وعن