«٢» ، مكتفيا بالله ممّن خذله، مستعينا به على من نصب، لا يستفزّه ما أجلب به الشيطان من خيله ورجله، وهو في أنصاره المعتصمين، لا تستهويهم الشّبه في بصائرهم، ولا تخونهم قواعد عزائمهم في ساعة العسرة من بعد ما كادت تزيغ قلوب فريق منهم؛ فكتّبهم أمير المؤمنين، وأنهدهم لعدوّه، ينتظرون إحدى الحسنيين: من الفلج المبين، والفوز «٣» بالشّهادة والسعادة؛ فليس يلفتهم عن حقّهم ما يتلقّون به من الترغيب والترهيب، ولا يزدادون على عظيم التّهاويل والأخطار إلا تقحّما وإقداما، متمثّلين لسير إخوانهم قبلهم فيما اقتص الله عليهم من شأنهم، إذ يقول جلّ وعزّ:
«٤» وكان بداية جند أمير المؤمنين في حربهم التّقدّم بالإعذار والإنذار، والتّخويف بالله جلّ وعزّ وأيّامه، وما هم مسؤولون عنه في مقامه: من عهوده المؤكّدة عليهم في حرمه، وبين ركن كعبته ومقام خليله، المعلّقة في بيته، الشاهد عليها وفوده.
فكان أوّل ما بصّرهم الله به حجّته التي لا يقطعها قاطع، ولا يدفعها دافع، ثم ما جعلهم الله عليه من التناصر والتّوازر الذي فتّ في أعضادهم، ورماهم به من التّخاذل والتّواكل؛ فكلّما نجمت لهم قرون اجتثّها الله بحدّ أوليائه، وكلّما مرق منهم مارق أسال الله مهجته، وأورثهم أرضه ودياره.
ومخلوعهم المبتديء بما عادت عليهم نقمته ونكاله قد أعلق بالرّدّة، وصرّحت شياطينه بالغدر والنّكث، يرى بذلك الذّلّ في نفسه وحزبه، وتنتقص