الإيمان سائرون، ولأمر دين الحقّ الذي نسخ الله به الأديان صائرون، وهم المعنيّون بقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ
«١» ولمّا فتح الله تعالى ببركة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما فتح من البلاد، واسترجع بأيدي المهاجرين والأنصار من أيدي الكفّار العادية كثيرا من الأمصار واستعاد- وأكثر ذلك في خلافة أمير المؤمنين «عمر بن الخطّاب» رضي الله عنه، فإنها كانت للفتح مواسم، وبالمنح بواسم، وتظافرت فيها للمسلمين غرائز العزائم، التي أعادت هزاهزها الكفّار يجرّون ذيول الهزائم- عقد أمراؤه الفاتحون لها بأمره- رضي الله عنه وعنهم- لأهل الكتاب عهدا، وحدّوا لهم من الآداب حدّا لا يجوز أن يتعدّى؛ ولم تزل الخلفاء بعد ذلك والملوك في جميع بلاد الإسلام يجدّدونها، وبالمحافظة والملاحظة يتعهّدونها؛ وآخر من ألزمهم أحكامها العادلة، وعصمهم بذمّتها التي هي لهم ما استقاموا بالسّلامة كافلة، والدنا السلطان الشّهيد «الملك الناصر» ناصر الدّنيا والدّين، سقى الله تعالى عهده عهاد الرّحمة، ولقّى نفسه الخير لنصحه الأمّة؛ فإنه- قدّس الله روحه- جدّد لهم في سنة سبعمائة لباس الغيار، وشدّد عليهم بأس النّكال والإنكار، وعقد لهم ذمّة بها الاعتبار، وسطّر في الصحائف منها شروطا لهم بالتزامها إقرار، وبأحكامها أمكنهم في دار الإسلام الاستقرار، وخذل الفئتين المفتريتين عملا بقول الله تعالى: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ*
«٢» ولمّا طال عليهم الأمد تمادوا على الاغترار، وتعادوا إلى الضرّ والإضرار، وتدرّجوا بالتكبّر والاستكبار، إلى أن أظهروا التّزيّن أعظم إظهار، وخرجوا عن المعهود في تحسين الزّنّار والشّعار، وعتوا في البلاد والأمصار، وأتوا من الفساد بأمور لا تطاق كبار.