وغير ذلك من آلات المروءة والأدوات الملوكية في أقرب المدد وأقلّ الأزمنة؛ وناهيك بذلك من فضل هذه الصناعة وشرفها وارتفاع خطرها وسمو قدرها إذ كان لها سعة لمثل هذه الجدوى التي لا يوجد مثلها في غيرها من الصنائع.
وكفى بالكتابة شرفا أنّ صاحب السيف يزاحم الكاتب في قلمه ولا يزاحمه الكاتب في سيفه.
قال في موادّ البيان:«ومن ثمّ صار السلطان الذي هو رئيس الناس ومستخدم أرباب كلّ صناعة ومصرّفهم على أغراضه، يفتخر بأن تكون فضيلتها حاصلة له مع ترفّعه عن التلبّس بصناعة من الصنائع الحسنة، وأنفته أن يقع اسم من أسمائها عليه» . قال: وذلك أنا نرى كل ملك وسلطان يؤثر أن يكون له حظ من بلاغة العبارة وجودة الخط، وفي ذلك ما يدل على أنها أشرف الصنائع رتبة وأعلاها درجة، وأن المشاركين للسلطان فيها ممن تكتنفه سياسته أفضل من سائر المتّصلين بغيرها من الصنائع الأخر؛ فقد علم أن الصنائع كلّها معاون ومرافق، لا تنتظم عمارة العالم إلا بتضافرها ومرافدة بعضها لبعض.
وإنها على ضريين: خاصية وعامية، فالعاميّة صنائع المهنة وأهل الأسواق والحرف، وإن شاركهم الخاصّة في الحاجة إليها، لأنّ بها تنتظم أمور المعاملات وتعمر البلاد؛ والخاصية التي تقع في حيّز الملوك والسلاطين، ويتوزّعها أعوانهم وأتباعهم، وهذه الصنائع إنما يقع التميير بين أقدارها بالنظر إلى مقدار عائدتها في أمور الملك والسلطان والرعية مما كان معلّقا بالأمر الأهمّ، وكانت الحاجة إليه ألزم، وقدر المنفعة به أجسم، والفساد العائد بوقع خلل فيه على أسباب المملكة أعظم؛ ومرتبته في الصنائع الخاصة أشرف وألطف.
وليس من الصنائع صناعة تجمع هذه الفضائل إلا صناعة الكتابة، وذلك لأن الملك يحتاج في انتظام أمور سلطانه إلى ثلاثة أشياء لا ينتظم ملكه مع وقوع خلل فيها: