الملك الأشرف وبين الملك دون حاكم. أما سائر النّسخ المتقدّمة فإنها مبتذلة الألفاظ، غير رائقة التّرتيب، لا يصدر مثلها من كاتب عنده أدنى ممارسة لصناعة الكلام. والعجب من صدور ذلك في زمن «الظّاهر بيبرس» و «المنصور قلاوون» وهما من هما من عظماء الملوك!!! وكتابة الإنشاء يومئذ بيد بني عبد الظّاهر الذين هم بيت الفصاحة ورؤوس أرباب البلاغة!!! ولعلّ ذلك إنما وقع، لأن الفرنج كانوا مجاورين للمسلمين يومئذ ببلاد الشّام، فيقع الاتّفاق والتراضي بين الجهتين على فصل فصل، فيكتبه كاتب من كلّ جهة من جهتي المسلمين والفرنج بألفاظ مبتذلة غير رائقة، طلبا للسّرعة، إلى أن ينتهي بهم الحال في الاتّفاق والتراضي، إلى آخر فصول الهدنة، فيكتبها كاتب الملك المسلم على صورة ما جرى في المسودّة، ليطابق ما كتب به كاتب الفرنج؛ إذ لو عدل فيها كاتب السلطان إلى الترتيب، وتحسين الألفاظ وبلاغة التّركيب، لاختلّ الحال فيها عما وافق عليه كاتب الفرنج أوّلا، فينكرونه حينئذ، ويرون أنه غير ما وقع عليه الاتّفاق، لقصورهم في اللّغة العربيّة، فيحتاج الكاتب إلى إبقاء الحال على ما توافق عليه الكاتبان في المسودّة. وبالجملة فإنما ذكرت النّسخ المذكورة- على سخافة لفظها، وعدم انسجام ترتيبها- لا شتمالها على الفصول التي جرى فيها الاتّفاق فيما تقدّم من الزّمان، ليستمدّ منها الكاتب ما لعلّه لا يحضر بباله من مقاصد المهادنات، أغنانا الله تعالى عن الحاجة إليها.
واعلم أنه قد جرت العادة، إنه إذا كتبت الهدنة، كتب قرينها يمين يحلف بها السلطان أو نائبه القائم بعقد الهدنة، على التّوفية بفصولها وشروطها، ويمين يحلف عليها القائم عن الملك الكافر بعقد الهدنة، ممّن يأذن له في عقدها عنه، بكتاب يصدر عنه بذلك، أو تجهّز نسختها إلى الملك الكافر ليحلف عليها، ويكتب خطّه بذلك، وتعاد إلى الأبواب السلطانية.