وبيّنة بعد بيّنة، حتّى انتهى تقديره- جلّ جلاله- أن بعث النّبيّ الأمّيّ، الفاضل الزّكيّ، الذي قفّى به على الرّسل، ونسخ بشريعته شرائع الملل، وبدينه أديان الأمم، على حين تراخي فترة، وترامي حيرة؛ فأباخ «١» به نيران الفتن بعد اضطرامها، وأضاء به سبل الرّشاد بعد إظلامها، على علم منه- تعالى ذكره- بما وجده عنده من النّهوض بأعباء الرّسالة، والقيام بأداء الأمانة، فأزاح بذلك العلّة، وقطع المعذرة، ولم يبق للشّاكّ موضع شبهة، ولا للمعاند دعوى مموّهة، حتى مضى حميدا تشهد له آثاره، وتقوم بتأييد سنّته أخباره، قد خلّف في أمّته، ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته، والنّجاة من عقابه وسخطه، إلّا من شقي بسوء اختياره، وحرم الرّشاد بخذلانه، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين أفضل صلاة وأتمّها، وأوفاها وأعمّها.
والحمد لله الذي خصّ سيدنا الأمير بالتّوفيق، وتوحّده بالإرشاد والتّسديد، في جميع أنحائه، ومواقع آرائه، وجعل همّته (إذ كانت الهمم منصرفة إلى هشيم الدّنيا وزخارفها، التي يتحلّى بها الأبناء وتدعوها إلى نفسها) مقصورة على ما يجمع له رضا ربّه، وسلامة دينه، واستقامة أمور مملكته، وصلاح أحوال رعيّته، وأيّده في هذه الحال المعارضة، والشّبهة الواقعة، التي تحار في مثلها الآراء، وتضطرب الأهواء، وتتنازع خواطر النفوس، وتفتلج وساوس الصّدور، ويخفى موقع الصّواب، ويشكل منهج الصّلاح- بما اختار له من السّلم والموادعة، والصّلح والموافقة، الذي أخبر الله تعالى في كتابه على فضله، والخير الذي في ضمنه، بقوله جلّ وعزّ: