ورفضه الناس، وجعل ينكت الأرض، ويواصل بكفّه العضّ، ويتشاءم بيومه، ويعود على نفسه بلومه؛ يمسح جبينه، ويكثر أنينه؛ فقمت فقامت معي الجماعة وتركته، واستهانت به وفركته؛ فلما بقي وحده، تمنّى لحده، وأسبل دمعته، وودّ أنّ الأرض بلعته.
وكان كمثل البوّ «١» ما بين روّم ... تلوذ بحقويه السّراة الأكابر
فأصبح مثل الأجرب الجلد مفردا ... طريدا فما تدنو إليه الأباعر!
فقام فتبعني، ووقف وودّعني، وأطال الاعتذار، وأظهر التّوبة والاستغفار، وقال: مثلك من ستر الخلل، وأقال العثرة والزّلل؛ فقد اغتررت من سنّك بالحداثة، ومن أخلاقك بالدّماثة؛ فقلت: كلّ ذلك مفهوم معلوم، وأنت فيه معذور لا ملوم؛ وما جرى بيننا فهو منسيّ غير مذكور، ومطويّ غير منشور، ومخفيّ غير مشهور:
و [جدال]«٢» أهل العلم ليس بقادح ... ما بين غالبهم إلى المغلوب!
ثم سكت فما أعاد، ونزلت وعاد، وكان ذلك أوّل عهد به وآخره، وباطن لقاء وظاهره، وكلّ اجتماع وسائره.