العباس، والواثق، والناصر؛ وتنافس فيه رؤساء الناس بالعراق، لا سيما بالبصرة.
فقد ذكر صاحب «الروض المعطار»«١» : أنهم تنافسوا في اقتنائه، ولهجوا بذكره، وبالغوا في أثمانه حتّى بلغ ثمن الطائر الفاره منها سبعمائة دينار، ويقال:
إنه بلغ ثمن طائر منها جاء من خليج القسطنطينية ألف دينار، وكانت تباع بيضة الطائر المشهور بالفراهة بعشرين دينارا. وإنه كان عندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب. وإنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيه والإخبار عنها، والوصف لأثرها والنعت لمشهورها، حتّى وجه أهل البصرة إلى بكار بن قتيبة البكراني «٢» ، قاضي مصر- وكان في فضله وعقله ودينه وورعه ما لم يكن عليه قاض- بحمامات لهم مع ثقات، وكتبوا إليه يسألونه أن يتولّى إرسالها بنفسه، وكان الحمام عندهم متجرا من المتاجر لا يرون بذلك بأسا.
وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : أن الحمام أوّل ما نشأ- يعني في الديار المصرية والبلاد الشامية- من الموصل وأنّ أوّل من اعتنى به من الملوك ونقله من الموصل: الشهيد نور الدين بن زنكي صاحب الشام رحمه الله في سنة خمس وستين وخمسمائة. وحافظ عليه الخلفاء الفاطميون بمصر، وبالغوا حتّى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام. وقد اعتنى بعض المصنفين بأمره؛ حتّى صنّف فيه أبو الحسن بن ملاعب القوّاس البغداديّ كتابا للناصر لدين الله العباسي، ذكر فيه أسماء أعضاء الطائر، ورياشه، والوشوم التي توشم في كل عضو، وألوان