للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال «علم التّصوّف» : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، إذ كان كلّ امريء بما عمل مجازى وبما كسب رهينا؛ إنّه يجب على كلّ من كان بمعتقد الحقّ جازما، أن يكون عن دار الغرور متجافيا ولأعمال البرّ ملازما؛ فإنّما الدّنيا مزرعة للآخرة، إن حصلت النّجاة فتلك التّجارة الرّابحة وإن كانت الأخرى فتلك إذا كرّة خاسرة؛ فمن لزم طريقتي في الإعراض عن الدّنيا والزّهد فيها سلّم، ومن اغترّ بزخرفها الفاني فقد خاب في القيامة وندم.

فلما كثرت الدّعاوى والمعارضات، وتتابعت الحجج والمناقضات، نهض «علم السياسة» قائما، وقصد حسم مادّة الجدال وطالما، وقال: أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب «١» ، وسائسها الكافي وحاكمها المهذّب؛ لقد ذكر كلّ منكم من فضله ما يشوّق السّامع، وأظهر من جليل قدره ما تنقطع دونه المطامع، وأتى من واضح كلامه بما لا يحتاج في إثباته إلى دليل ظنّيّ ولا برهان قاطع؛ غير أنه لا يليق بالمنصف أن يتخطّى قدره المحدود ولا يتعدّى جزءه المقسوم، ولكلّ أحد حدّ يقف عنده وما منّا إلّا له مقام معلوم؛ فلو سلك كلّ منكم سبيل المعدلة، وأنصف من نفسه فوقف عند ما حدّ له، لكان به أليق، ولمقام العلم أرفق.

فقال «علم تدبير المنزل» : لقد تحرّيت الصّواب، ونطقت بالحكمة وفصل الخطاب؛ لكنّه لا بدّ لكم من حبر عالم، وإمام حاكم، يكون لشملكم جامعا، ولمواقع الشّكّ في محلّ التفاضل بينكم رافعا، محيط من كلّ علم بمقصوده ومراده، عارف بما تشمل عليه مباديه من حدّه وموضوعه وفائدته واستمداده، ليبلغ به من الفضل منتهاه، ويقف به من الشّرف عند حدّ لا يتعدّاه؛ فلا يدّعي مدّع بغير مستحقّ، ولا يطالب طالب ما ليس له بحقّ؛ إلا أنّ المحيط بكلكم علما، والقائم بجميعكم فهما، أعزّ من الجوهر الفرد

<<  <  ج: ص:  >  >>