لعقود الشّعر ناظما، وطورا تلفيني جوادا سابقا، ومرّة تجدني رمحا طاعنا وسهما راشقا، وآونة تخالني نجما مشرقا، وحينا تحسبني أفعوانا مطرقا؛ قد فقت الشّبّابة في الطّرب، وبرّزت عليها في كلّ معنى وإن جمع بيننا جنس القصب؛ فكانت للأغاني، وكنت للمعاني، وجاءت بغريب النّغم، وجئت ببديع الحكم، ولعبت بالأسماع طربا، وولعت بالألباب فاتّخذت لدهرها مما عراها عجبا.
فقال السّيف: ذكّرتني الطّعن وكنت ناسيا، وطلبت التّكثّر فازددت قلّة وعدت خاسيا، فكنت كطالب الصّيد في عرّيسة «١» الأسد إن لقيه أهلكه، وخالفت النّصّ فألقيت بيديك إلى التّهلكة؛ فاقنع من الغنيمة بالإياب، وعدّ الهزيمة مع السّلامة من أربح الأكساب؛ فلست ممن يشقّ غباري، ولا يقابل في الهيجاء ضرمي ولا يصطلي بناري؛ فكم من بطل أبطلت حراكه، وكم من شجاع عجلت هلاكه، وكم صنديد أرقت دمه، وكم ثابت الجأش زلزلت قدمه.
وأراد القلم أن يأخذ في الكلام، ويرجع إلى الجدال والخصام، فغلب عليه رقّة طبعه وحسن موارده، وسلاسة قياده وجميل مقاصده، فمال إلى الصّلح وجنح إلى السّلم، وأعرض عن الجهل وتمسّك بالحلم، وأقبل على السّيف بقلب صاف، ولسان رطب غير جاف، فقال: قد طالت بيننا المجادلة، وكثرت المراجعة والمقاولة، مع ما بيننا من قرابة الشّرف، وأخذ كلّ منّا من الفضل بطرف؛ فنحن في الكرم شقيقان، وفي المجد رفيقان؛ لا يستقلّ أحدنا بنفسه، ولا يأنس بغير صاحبه وإن كان من غير جنسه؛ وقد حلبت الدّهر أشطره، وعلمت أصفاه وأكدره، وقلّبته ظهرا وبطنا، وجبت فيافيه سهلا وحزنا؛ وإنّ معاداة الرّفيق، ومباينة الشّقيق، توجب شماتة العدوّ وتغمّ الصديق؛ فهل لك أن تعقد للصلح عقدا لا يتعدّى حدّه، ولا يحلّ على طول