النّاصر- خلّد الله سلطانه- قد جمع في المحتد بين طارف وتالد، وورث الملك عن أشرف أخ وأعظم والد، وقامت على استحقاقه للسّلطنة الدلائل، وألفه سرير الملك وعرف فيه من والده ومن أخيه- رحمهما الله تعالى- الشّمائل؛ فهو المالك الذي لم يزل الملك به آهلا ولم يزل له أهلا، والسّيّد الذي لبس حلّة الفخار فلم نجد له في السّؤدد والفخار مثلا، والملك الذي ما بدا لرائيه إلا قيل: بحر طمى أو بدر تجلّى، والمؤيّد الذي خصّه الله تعالى بعلوّ شأنه وارتقائه، ولم يرض مراقد الفراقد لعليائه، والكريم الذي ساد الأوائل والأواخر، وأضفيت عليه حلل المفاخر، والمنصور الذي أعطي على الأعداء قوّة ونصرا، والنّاصر الذي اتّسع مجال نصره فأخذ الكفّار حصرا، وحكمت سيوفه القواضب فوضعت عن الأولياء إصرا، قد خصّه الله تعالى بالعزّ والنّصر كرّة بعد كرّة، وفضّله على سائر ملوك الإسلام بالحجّ وزيارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّة بعد مرّة، ومرّة أخرى إن شاء الله تعالى ومرّة ومرّة!!! كم سلك سنن والده وأخيه- رحمهما الله تعالى- بالغزاة فكان له كلّ مشهد مذكور، وعرف تقدّمه وإقدامه فكان أعظم ناصر وأشرف منصور؛ يحمده الله تعالى والناس عن جميل ذبّه عن الإسلام وحميد فعله، واستقلّ الجزيل فينيل الجميل لمن أمّ أبوابه الشريفة فلا يستكثر هذا من مثله؛ ما حملت راياته الشّريفة كتيبة إلا نصرت، ولا وقف بوجهه الكريم في دفع طائفة الكفر إلا كسرت، ولا جهّز عساكره المنصورة إلى قلعة إلا نزل أهلها من صياصيهم، ولا حاصروا ثغرا للكفّار إلا أخذوا بنواصيهم، ولا سيّر سريّة لمواجهة محارب إلا ذلّ على رغمه، ولا نطق لسان الحمد للمجاهد أو سار الشاهد إلّا وقف الحمد على قوله واسمه، فاختاره الله تعالى على علم على العالمين، واجتباه