بصلب الموضوعات المطروقة وبتفريعاتها، وبما يتصل بها من قريب أو بعيد، تجعل منه مصدرا غنيا بذاته لا يشاركه في هذا الغنى غيره من المصادر. ولقد حفظ لنا القلفشندي ثروة ضخمة من الآثار والمعلومات عن عصره والعصور السابقة في مختلف نواحي التاريخ والسياسة والاقتصاد ونظم الحكم والعادات والآدات والعلوم، هذا إلى جانب وفرة من المصطلحات والمسميات في الشؤون العامة والخاصة تضيف إلى المعاجم العربية ثروة جديدة لم تدخلها إلى اليوم بالشكل الكافي. ونحن مثلا نجد كتبا بعينها تكاد تكون مفرغة بكاملها داخل كتاب صبح الأعشى: مثل التعريف بالمصطلح الشريف لشهاب الدين بن فضل الله العمري، ومعالم الكتابة ومغانم الاصابة لابن شيث القرشي، وبعض فصول من مؤلفات قديمة لم تشهد النور حتى الآن إما لأنها ما تزال في طيّ مخطوطات موزعة في مكتبات العالم، أو لأنها مفقودة. وبحكم موقعه الوظيفي في جهاز دولة المماليك السلاجقة، استطاع أن يحتفظ لنا بمجموعة هائلة من الوثائق لا يمكننا العثور عليها مجموعة في كتاب واحد، وبعضها لا يمكن العثور عليه أي مصدر آخر «١» . وفي بعض المجالات نجد أن كتاب صبح الأعشى يشكل مصدرا أساسيا- لا بل المصدر الأساسي- للمعلومات حول بعض الموضوعات: فكل من يريد البحث والتأليف في موضوع الألقاب الاسلامية مثلا لا يمكنه الاستغناء عن كتاب القلقشندي؛ إذ من خلال صبح الأعشى وحده يمكننا استخراج مؤلف كامل حول الألقاب الإسلامية وأصولها ومعانيها وتطوّر استعمالها عبر التاريخ «٢» ، إلى غير ذلك من الموضوعات في مختلف المجالات.
وبكثير من الاطمئنان نستطيع القول إن أي باحث أو دارس في أي من مباحث العلوم العربية الإسلامية المعروفة (الثقافة الإسلامية الكلاسيكية) يجد شيئا وأشياء في صميم موضوع بحثه بين تضاعيف صبح الأعشى؛ ولا شك عندنا أنه- أي الباحث- يحبذ الوصول إلى ضالته من أقرب السبل وبأنجع الوسائل توفيرا للجهد والوقت. من هنا أهمية أن يكون بين أيدينا فهارس مفصلة لمحتويات هذا الكتاب- الموسوعة.