لأن الله تعالى لم يعلّمه الكتابة لتمكّن الإنسان بها من الحيلة في تأليف الكلام، واستنباط المعاني، فيتوسل الكفّار إلى أن يقولوا اقتدر بها على ما جاء به» .
قال صاحب موادّ البيان:«وذلك أنّ الإنسان يتوصل بها إلى تأليف الكلام المنثور وإخراجه في الصّور التي تأخذ بمجامع القلوب، فكان عدم علمه بها من أقوى الحجج على تكذيب معانديه، وحسم أسباب الشك فيه» .
وقد حكى أبو جعفر النحّاس «١» ، أن المأمون قال لأبي العلاء المنقريّ:
«بلغني أنك أمّيّ، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن في كلامك» فقال: «يا أمير المؤمنين! أما اللحن فربّما سبقني لساني بالشيء منه؛ وأما الأميّة وكسر الشعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أميّا وكان لا ينشد الشعر» . فقال له المأمون:
«سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل، يا جاهل! ذلك في النبي، صلى الله عليه وسلّم فضيلة وفيك وفي أمثالك نقيصة» .
قال الجاحظ:«وكلام أبي العلاء المنقريّ هذا من أوابد ما تكلّم به الجهّال» . على أن أصحابنا الشافعية رحمهم الله قد حكوا وجهين في أنه صلى الله عليه وسلّم هل كان يعلم الكتابة أم لا، وصححوا أنه لم يكن يعلمها معجزة في حقه كما تقدّم.
قال أبو الوليد الباجي «٢» من المالكية: «ولو كتب، صلى الله عليه وسلّم لكان معجزة لخرق العادة، قال: وليست بأوّل معجزاته صلى الله عليه وسلّم» .
وإذا كانت الكتابة من بين سائر الصّناعات بهذه الرتبة الشريفة والذّروة