فإن هذا الشاعر ألقى بيده وأظهر عجزه، واعترف بقصوره عن شكر برّ هذا الممدوح، وفطن أنه لو اقتصر على ذلك، لاحتمل أن يقال له: عجزك عن شكره لا يدل على كثرة برّه لاحتمال أن يكون لضعف مادّتك عن الشكر، إذ لا يلزم من عجز الإنسان عن شيء تعظيم ذلك الشيء، ولا بدّ لاحتمال أن يكون العجز لضعف الانسان، فاحترز عن ذلك بقوله:
وما فوق شكري للشّكور مزيد
ثم تمم المعنى بأن قال للشّكور للمبالغة في الشكر، فإن شكورا معدول عن شاكر للمبالغة كما تقدّم، ثم أظهر عذره في عجزه بأن قال في البيت الذي يليه:
ولو كان مما يستطاع استطعته
ثم ذيّل هذا المعنى بإخراج بقية البيت مخرج المثل السائر ليكثر دورانه على الألسنة فيحصل تجديد مدح الممدوح كل حين، والتنويه بذكره في كل زمان، حيث قال:
ولكنّ ما لا يستطاع شديد
أما إذا خرجت المبالغة عن حدّ الإمكان، وجرت مجرى الكذب المحض، فإنها مذمومة في الشرع وإن كان الشعراء يستبيحون مثل ذلك ولا يتحاشون الوقوع فيه. وقد أخبر تعالى عنهم بالكذب بقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
«١» وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: