«لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر في دم، وأني لن أعتاض به جملا ولا ناقة، فأكتسب به سبّة الأبد، وفتّ العضد، وأما النّظرة فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل في القلوب حنقا، وفوق الأسنّة علقا:
إذا جالت الحرب في مأزق ... تصافح فيه المنايا النّفوسا
أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوإ الاختيار وأبلى الاجترار، بمكروه وأذيّة، وحرب وبليّة.
ثم نهضوا عنه وقبيصة يتمثل:
لعلّك أن تستوخم الورد إن غدت ... كتائبنا في مأزق الحرب تمطر
فقال امرؤ القيس: لا والله! ولكن أستعذبه، فرويدا ينفرج لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير، ولقد كان ذكر غير هذا بي أولى إذ كنت نازلا بربعي، ولكنك قلت فأوجبت.
فقال قبيصة: ما يتوقّع فوق قدر المعاتبة والإعتاب، فقال إمرؤ القيس: هو ذاك «١» .
قال في «المثل السائر» : فلينظر إلى هذا الكلام من الرجلين: قبيصة وامرىء القيس، حتّى يدع المتعمّقون تعمّقهم في استعمال الوحشي من الألفاظ؛ فإن هذا الكلام قد كان في الزمن القديم قبل الإسلام بما شاء الله، وكذلك هو كلام كل فصيح من العرب مشهور، وما عداه فليس بشيء. قال: وهذا المشار إليه هاهنا هو من جزل كلامهم، وهو على ما تراه من السّلاسة والعذوبة؛ وإذا تصفّحت أشعارهم أيضا وجدت الوحشي من الألفاظ قليلا بالنسبة إلى المسلسل في الفم