للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول يزيد بن الطّثريّة «١» في محبوبته من بني جرم:

بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله

وإذا كان هذا قول ساكن الفلاة، لا يرى إلا شيحة أو قيصومة «٢» ، ولا يأكل إلا ضبّا أو يربوعا، فما بال قوم سكنوا الحضر، ووجدوا رقّة العيش، يتعاطون وحشيّ الألفاظ وشظف العبارات! ولا يخلد إلى ذلك إلا جاهل بأسرار الفصاحة، أو عاجز عن سلوك طريقها، فإن كلّ أحد ممن حصل على نبذة من علم الأدب يمكنه أن يأتي بالوحشيّ من الكلام، إما بأن يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقفه من أربابها. وأما الفصيح المتّصف بصفة الملاحة، فإنه لا يقدر عليه، ولو قدر عليه لما علم أين يضع يده في تأليفه وسبكه.

قال: وإن مارى في ذلك ممار فلينظر إلى أشعار علماء الأدب ممن كان يشار إليه حتّى يعلم صحة ذلك، فإن ابن دريد «٣» قد قيل إنه أشعر علماء الأدب، وإذا نظرت إلى شعره وجدته بالنسبة إلى شعر الشعراء المجيدين منحطّا، مع أن أولئك الشعراء لم يعرفوا من علم الأدب عشر معشار ما علمه؛ وأين شعره من شعر العباس ابن الأحنف «٤» ! وهو من أوائل الشعراء المحدثين، وشعره كمرّ نسيم على عذبات أغصان، أو كلؤلؤات طلّ على طرر ريحان؛ وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتاب من كتب اللغة، كقوله:

وإنّي ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل

بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الودّ إلا عدتمو بجميل

وقوله في محبوبته فوز:

<<  <  ج: ص:  >  >>