بالذّنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم، نبت بي عنك غرّة الحداثة، وردّتني إليك الحنكة، وباعدتني منك الثقة بالأيّام، وقادتني إليك الضّرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدّد النعمة باطّراح الحقد، فإنّ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة؛ وإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت إن شاء الله تعالى.
فانظر إلى قوة هذا الكلام في سهولته، وقرب مأخذه مع بعد تناوله والإتيان بمشاكله. وأجزل منه مع السهولة قول الشّعبيّ «١» للحجّاج، وأراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث «٢» : أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، فاستحلسنا «٣» الحذر، واكتحلنا السهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء» فعفا عنه «٤» .
قال صاحب «الصناعتين» : وقد غلب الجهل على قوم فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه إذا وجدوا ألفاظه كزّة «٥» غليظة، وجاسية «٦» مريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا، وسهلا حلوا؛