البكاء حال الحزن، بخلاف ما قصده الشاعر من التعبير به عن الفرح والسرور، وإن كانت حالة جمود الدمع مشتركة بين بخل العين بالدمع عند إرادة البكاء، وبين زمن السرور الذي لم يطلب فيه بكاء، وكذلك يجري القول في كل لفظ مشترك ينتقل الذهن فيه من أحد المعنيين إلى الآخر إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى أحدهما، كما صرح به الرمانيّ «١» وغيره، خصوصا إذا كان أحد المعنيين الذي يدلّ عليه اللفظ المشترك مستقبحا كما نبه عليه ابن الأثير في الكلام على فصاحة اللفظ المفرد؛ ألا ترى أن لفظة التعزير مشتركة بين التعظيم والإكرام، وبين الإهانة بسبب الخيانة التي لا توجب الحدّ من الضرب وغيره، والمعنيان ضدّان، فحيث وردت معها قرينة صرفتها إلى معنى التعظيم جاءت حسنة رائقة، وكانت في أعلى درجات الفصاحة؛ وعلى نحو ذلك ورد قوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ
«٣» الآية، فإنه لما ورد معها قرينة التوقير في الآية الأولى وقرينة الإيمان والنصر في الآية الثانية زال اللبس وحسن الموقع؛ ولو وردت مهملة بغير قرينة بإرادة المعنى الحسن لسبق الفهم إلى المعنى القبيح، كما لو قلت عزّر القاضي فلانا وأنت تريد أنه عظمه، فإنه لا يتبادر من ذلك إلى الفهم إلا أنه أهانه، وعلى هذا النّهج يجري الحكم في الحسن والقبح مع القرينة وعدمها.
قال ابن الأثير رحمه الله: فما ورد مع القرينة فجاء حسنا قول تأبط شرّا:
أقول للحيان، وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيّق الجحر معور
فإنه أضاف الجحر إلى اليوم فأزال عنه هجنة الاشتباه لأن الجحر يطلق على