شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فالفاء في قوله فاشكر زائدة في غير محلها، نافرة عن مكانها.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير: أنشدني بعض الأدباء هذا البيت فقلت له:
عجز هذا البيت حسن، وأما صدره فقبيح لأن سبكه قلق نافر، والفاء في قوله فاشكر كأنها ركبة البعير، وهي في زيادتها كزيادة الكرش، فقال: لهذه الفاء في كتاب الله تعالى أشباه كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
«٢» فقلت له: بين هذه الفاء وتلك فرق ظاهر يدرك بالعلم أوّلا وبالذوق ثانيا، أما العلم فإن الفاء في قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
فهي الفاء العاطفة إذ وردت بعد قوله: قُمْ فَأَنْذِرْ
وهي مثل قولك: امش فأسرع، وقل فأبلغ، وليست الفاء التي في قول دعبل: شفيعك فاشكر من هذا القبيل، بل هي زائدة ولا موضع لها، وإنما نسبتها أن يقال: ربك أو ثيابك فطهر من غير تقدّم معطوف عليه «٣» ، وحاشا فصاحة القرآن من ذلك. فأذعن بالتسليم ورجع إلى الحق.
قال: ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظما كان أو نثرا لا يتفطّن لها إلا الراسخ في علم الفصاحة.
ومنها وصل همزة القطع في الشعر وإن كان ذلك جائزا فيه بخلاف النثر كقول أبي تمّام:
قراني اللها «٤» والودّ حتّى كأنّما ... أفاد الغني من نائلي وفوائدي
فأصبح يلقاني الزّمان من اجله ... بإعظام مولود ورأفة والد