مزدوجا، ولا «١» تجد لبليغ كلاما محلولا من الازدواج، وناهيك أن القرآن الكريم الذي هو عنصر البلاغة ومناط الإعجاز مشحون به، لا تخلو منه سورة من سوره وإن قصرت، بل ربما وقع السجع في فواصل جميع السورة، كما في سورة النجم، واقتربت، والرحمن وغيرها من السّور. بل ربما وقع في أوساط الآيات، كقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
«٤» وما أشبه ذلك. وكذلك وقع في الكثير من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كقوله عليه السلام عند قدومه المدينة الشريفة:«أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلو الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» . بل ربما صرف صلّى الله عليه وسلّم الكلمة عن موضعها في تصريف اللغة طلبا للمزاوجة كقوله في تعويذه لابن ابنته:«أعيذه من الهامّة والسامّة، والعين اللّامّة» وأصلها في اللغة الملمّة لأنها من ألمّ، فعبر عنها باللامّة لموافقة الهامّة والسامّة، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للنساء:«انصرفن مأزورات غير مأجورات» والأصل في اللغة أن يقال موزورات أخذا من الوزر، فعبر بمأزورات لموافقة مأجورات؛ وعلى ذلك كان يجري كلام العرب في مهمّ كلامهم من الدعاء وغيره كقول بعض الأعراب وقد ذهب السيل بابنه: اللهم إن كنت قد أبليت، فطالما عافيت. وقول الآخر: اللهم هب لنا حبك، وأرض عنا خلقك، ونحو ذلك. وأما ما ورد من أنه صلّى الله عليه وسلّم حين قضى على رجل في الجنين بغرة عبد أو أمة، فقال الرجل: أأدى من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يطل «٥» ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أسجعا كسجع الكهّان» فليس فيه دلالة على كراهة