كتابه «الصناعتين» : ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصّبّ على قوالب من سبقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حليتها الأولى، ويزيدوا عليها في حسن تأليفها وجودة تركيبها، وكمال حليتها ومعرضها، فإذا فعلوا ذلك فهم أولى بها ممن سبق إليها. قال: ولولا أن القائل يؤدّي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول، وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين؛ وقد قال أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه: لولا أن الكلام يعاد لنفد. ومن كلام بعضهم:
كل شيء إذا ثنيته قصر إلا الكلام، فإنك إذا ثنيته طال، والمعاني مشتركة بين العقلاء، فربما وقع المعنى الجيّد للسّوقيّ والنّبطيّ والزّنجيّ. وإنما يتفاضل الناس في الألفاظ ورصفها، وتأليفها ونظمها، وقد أطبق المتقدّمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم، فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بكل لفظه، أو أفسده في الأخذ وقصّر فيه عمن تقدّمه. قال في «الصناعتين» : وما يعرف للمتقدّم معنى شريف إلا نازعه فيه المتأخر وطلب الشركة فيه معه، إلا بيت عنترة:
فإنه ما نوزع فيه على جودته. قال: وقد رامه بعض المحدثين «٣» فاتضح مع العلم بأن ابتكار المعنى والسبق إليه ليس فيه فضيلة ترجع إلى المعنى، وإنما ترجع الفضيلة فيه إلى الذي ابتكره وسبق إليه؛ فالمعنى الجيّد جيّد وإن كان مسبوقا إليه،