السائر» : وهذا من أدق السرقات مذهبا وأحسنها صورة، ولا يأتي إلا قليلا. فمن ذلك قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشّهادة لي بأنّي كامل «١»
وهذا المعنى استخرجه المتنبي من قول بعض «٢» شعراء الحماسة، وإن لم يكن صريحا فيه حيث يقول:
لقد زادني حبّا لنفسي أنّني ... بغيض إلى كلّ امريء غير طائل «٣»
قال في «المثل السائر» : والمعرفة بأنّ هذا المعنى من ذلك المعنى عسر غامض غير متبيّن إلا لمن أعرق في ممارسة الشعر، وغاص على استخراج المعاني. قال: وبيان ذلك أن الأوّل يقول: إن بغض الذي هو غير طائل إيّاي قد زاد نفسي حبّا إليّ، أي قد جمّلها في عيني وحسّنها عندي كون الذي هو غير طائل منقصي؛ والمتنبي يقول: إن ذم الناقص إياه بفضله كتحسين بغض الذي هو غير طائل نفس ذلك عنده.
وأظهر من ذلك أخذا من هذا الضرب قول البحتريّ في قصيدة «٤» يفخر فيها بقومه:
شيخان قد ثقل السّلاح عليهما ... وعداهما رأي السميع المبصر