ومن كلام الوزير المغربيّ «١» : لو كان زمن الربيع شخصا لكان مقبّلا، ولو أن الأيام حيوان لكان لها حليا ومجلّلا، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء؛ فإذا وردت الحمل وافت أحبّ الأوطان اليها وأعزّ أماكنها عليها.
وكان عبدوس الخزاعيّ يقول: من لم يبتهج بالربيع، ولم يستمتع بأنواره ولا استروح بنسيم أزهاره، فهو فاسد المزاج، محتاج إلى العلاج.
ويروى عن بقراط الحكيم مثله، وفيه بدل قوله:«فهو فاسد المزاج» فهو عديم حسّ، أو سقيم نفس. ولجلالة محلّ هذا الفصل في القلوب، ولنزوله من النفوس منزلة الكاعب الخلوب، كانت الملوك إذا عدمته استعملت ما يضاهي زهره من البسط المصوّرة المنقّشة، والنّمارق المفوّفة «٢» المرقّشة. وقد كان لأنوشروان بساط يسميه بساط الشّتاء، مرصّع بأزرق الياقوت والجواهر، وأصفره وأبيضه وأحمره، وقد جعل أخضره مكان أغصان الأشجار، وألوانه بموضع الزّهر والنوار. ولما أخذ هذا البساط في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في واقعة القادسيّة، حمل إليه فيما أفاء الله على المسلمين؛ فلما رآه قال:«إن أمّة أدّت هذا إلى أميرها لأمينة» ثم مزّقه فوقع منه لعليّ عليه السلام قطعة في قسمه مقدارها شبر في شبر فباعها بخمسة عشر ألف دينار.
وقد أطنب الناس في وصف هذا الفصل ومدحه، وأتوا بما يقصر عن شرحه، وتغالى الشعراء فيه غاية التّغالي، وفضّلوا أيامه ولياليه على الأيّام والليالي، وما أحلى قول البحتريّ: