فيه ببدائع تقلع من قلب الصّبّ غمام غمومه. وفي ذلك قول بعضهم: أوقدت الظهيرة نارها، وأذكت أوارها، فأذابت دماغ الضّبّ، وألهبت قلب الصّبّ؛ هاجرة كأنها من قلوب العشّاق، إذا اشتعلت فيها نار الفراق، حرّ تهرب له الحرباء من الشمس، وتستجير بمتراكم الرّمس؛ لا يطيب معه عيش، ولا ينفع معه ثلج ولا خيش؛ فهو كالقلب المهجور، أو كالتّنّور المسجور. ووصف بعضهم، وهو ذو الرمّة، حرّ هاجرة فقال:
وهاجرة حرّها واقد ... نصبت لحاجبها حاجبي
تلوذ من الشّمس أطلاؤها ... لياذ الغريم من الطّالب
وتسجد للشمس حرباؤها ... كما يسجد القسّ للرّاهب
وقال سوّار بن المضرّس:
وهاجرة تشتوى بالسّموم ... جنادبها «١» في رؤوس الأكم
إذا الموت أخطأ حرباءها ... رمى نفسه بالعمى والصّمم
وقال أبو العلاء المعريّ:
وهجيرة كالهجر موج سرابها ... كالبحر ليس لمائها من طحلب
واخى به الحرباء عودي منبر ... للظّهر إلا أنه لم يخطب
وقال آخر:
وربّ يوم حرّه منضج ... كأنّه أحشاء ظمآن
كأنّما الأرض على رضفة «٢» ... والجوّ محشوّ بنيران
وبالغ الأمير ناصر الدين بن الفقيسي «٣» فقال من أبيات: