إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا ثُمَّ ظَهَرَ صَاحِبُ الْمَالِ وَإِنْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَأْخُذَهَا مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً يُضَمِّنُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ لِلْفَقِيرِ (الْهِدَايَةُ) يُضَمِّنُهَا لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ إلَى الْغَيْرِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٩٦) . .
سُؤَالٌ: نَعَمْ فِي الْوَاقِعِ سَلَّمَهَا بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا لَكِنَّهُ سَلَّمَهَا بِإِذْنِ وَإِبَاحَةِ الشَّرْعِ وَحَيْثُ إنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (٩١) فَمَا كَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَتَرَتَّب الضَّمَانُ.
الْجَوَابُ: إنَّ الثَّابِتَ مِنْ الشَّارِعِ هُوَ الْإِذْنُ بِالتَّصَدُّقِ وَلَيْسَ إيجَابُ التَّصَدُّقِ يَعْنِي أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ التَّصَدُّقَ بِاللُّقَطَةِ وَاجِبًا عَلَى الْمُلْتَقِطِ. بَلْ أَنَّهُ رَخَّصَ بِالتَّصَدُّقِ فَقَطْ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الرُّخْصَةِ وَعَدَمِهِ. فَلَا يَبْقَى بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُتَخَلِّصًا مِنْ الضَّمَانِ. وَيُضَمِّنُهَا لِلْفَقِيرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ.
سُؤَالٌ: لَمَّا قَبَضَ الْفَقِيرُ اللُّقَطَةَ وَثَبَّتَ مِلْكِيَّتَهُ فِيهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يَسْتَرْجِعُهَا؟ يَعْنِي كَيْفَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَسْتَرِدُّهَا مِنْ الْفَقِيرِ بِالتَّضْمِينِ؟
الْجَوَابُ: ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا هُوَ فِي الْهِبَةِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٨٦٤) الْفَتْحُ.
وَلَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى رَفِيقِهِ. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ وَاسْتَهْلَكَهَا هَذَا ثُمَّ ظُهْر صَاحِبُهَا وَضَمَّنَهَا لِلْفَقِيرِ فَلَيْسَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
سُؤَالٌ: بِمَا أَنَّ الْفَقِيرَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَقِطِ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَحِقَّ لَهُ الرُّجُوعُ.
الْجَوَابُ: حَيْثُ إنَّ الْغُرُورَ لَمْ يَقَعْ ضِمْنَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ الَّذِي يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الدَّافِعِ فَلَيْسَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلرُّجُوعِ (الْعِنَايَةُ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٦٥٨) . .
كَمَا أَنَّهُ إذَا ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَالِكٌ لِلُّقَطَةِ بِالضَّمَانِ اسْتِنَادًا عَلَى وَقْتِ أَخْذِهِ إيَّاهَا وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَالِ نَفْسِهِ.
كَذَلِكَ إذَا دُفِعَتْ اللُّقَطَةُ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ظَهَرَ صَاحِبُهَا فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَأْمُورٌ بِمُحَافَظَةِ أَمْوَالِ الْغُيَّابِ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكِهَا (الْفَتْحُ) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْفَقِيرِ. وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٦٥٨) .
حَقُّ التَّضْمِينِ فِي بَيْعِ الْمُلْتَقِطِ وَبَيْعِ الْحَاكِمِ: إذَا بَاعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ عَلَى بِنَاءِ أَنْ يَحْفَظَ ثَمَنَهَا ثُمَّ وَجَدَ صَاحِبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ:
فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ بَاعَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ يَأْخُذُ صَاحِبُ الْمَالِ الثَّمَنَ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ. كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْحَاكِمُ بِالذَّاتِ فَالْحَاكِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ يُنْظَرُ.
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَاسْتَرَدَّ مَالَهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٣٧٨) .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ