أَصْبَحَ غَيْرَ مُقْتَدِرٍ عَلَى إعَادَةِ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الضَّمَانُ يَزُولُ فِي الْوَدِيعَةِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةُ وَالْمَأْجُورِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى مَا سَيُوضَحُ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ تَحْصُلُ بِإِعَادَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ إلَى يَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَحَيْثُ إنَّ أَيْدِيَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ هِيَ نَفْسُهُمَا وَعَمَلُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَكَمَا أَنَّهَا لَنْ تَصِلَ حَقِيقَةً إلَى يَدِ صَاحِبِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ لَنْ تَصِلَ إلَى يَدِهِ حُكْمًا أَيْضًا. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ وَحِفْظَهُ هُوَ لِأَجْلِ الْمُودِعِ وَيَدُهُ فِي حُكْمِ يَدِ الْمُودِعِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فَلْتُوضَحْ الْمَسْأَلَةُ الْآنِفَةُ فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ التَّعَدِّي بِمِثَالٍ.
مَثَلًا إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعُ بِلَا إذْنٍ وَاسْتَعْمَلَهُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَعَدَّى وَيَصِيرُ الرَّاكِبُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ. إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَدُونَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ مَا يَعْنِي دُونَ أَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَطْرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهِ إذَا تَرَكَ الرُّكُوبَ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَدَّى يَعْنِي أَنْ لَا يَرْكَبَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَحَفِظَهُ كَمَا فِي السَّابِقِ يَصِيرُ بَرِيئًا وَتَنْقَلِبُ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ كَمَا كَانَتْ. حَتَّى إذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ أَوْ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
أَمَّا إذَا رَكِبَهُ يَوْمًا وَبَعْدَ ذَلِكَ رَبَطَهُ فِي الْإِصْطَبْلِ مَسَاءً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهُ صَبَاحًا أَيْ بِنِيَّةِ رُكُوبِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَسُرِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ هَلَكَ حَتْفَ أَنْفِهِ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَوْدَعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢) (الْبَحْرُ) .
وَإِذَا نَزَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الثِّيَابَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا أَوْ رَفَعَ السَّجَّادَ بَعْدَ أَنْ فَرَشَهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلٍّ لَا تُحْفَظُ فِيهِ أَمْثَالُهَا رَفَعَهَا مِنْهُ وَخَبَّأَهَا فِي مَحِلِّ حِصْنٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَهَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ.
اخْتِلَافٌ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي: إذَا اُخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ يُنْظَرُ. إذَا أَقَرَّ الْمُودِعُ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي فِيهَا. أَوْ أَنْكَرَ فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَازِمَةٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ نَظَرًا لِأَنَّ الِادِّعَاءَ بِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ إيَّاهُ هُوَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ ادِّعَاءٌ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصِّفَةِ الْعَارِضَةِ هُوَ الْعَدَمُ لَا يَصْدُقُ ادِّعَاؤُهُ هَذَا بِلَا بَيِّنَةٍ.
(الْبَدَائِعُ بِزِيَادَةٍ) .
فَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي حَقِّ الْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ مَجْبُورًا عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَإِتْلَافِهِ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ (الْبَدَائِعُ) .
مَثَلًا إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: أَعَدْتهَا لِيَدِي، وَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَقَابَلَهُ الْمُودِعُ بِالْقَوْلِ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُعِيدَهَا فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورٌ عَلَى إثْبَاتِ دَفْعِهِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (١٦٣٢) .
كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ أَرْسَلَ الْوَدِيعَةَ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ إلَى الْمُودَعِ وَأَنَّهَا وَصَلَتْ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ وُصُولَهَا