للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ صَحِيحَةً إلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً فِي أَيِّ مِقْدَارٍ مِنْهَا.

وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا تَكُونُ صَحِيحَةً فِيمَا يَكُونُ الثُّلُثُ مُسَاعِدًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.

إيضَاحُ الْقُيُودِ:

١ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: هَذَا التَّعْبِيرُ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ فِي مَرَضٍ غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ كَهِبَةِ الصَّحِيحِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .

٢ - وَبَعْدَ الْوَفَاةِ - وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتَوَفَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَنَافِذَةً وَلَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا مُدَاخَلَةَ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ فِي الْمَوْهُوبِ. مَثَلًا: لَوْ مَرِضَتْ امْرَأَةٌ فَوَهَبَتْ لِزَوْجِهَا مَهْرَهَا الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَبَعْدَ مُرُورِ مُدَّةٍ تُوُفِّيَتْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَازِمَةً كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .

مَثَلًا لَوْ وَهَبَ مَنْ كَانَ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدِهِمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا كَانَتْ صَحِيحَةً (الْبَزَّازِيَّةُ) .

وَمَعَ ذَلِكَ فَتَرْجِيحُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْبَعْضِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَيُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ تَسَاوِيهِمْ فِي الدَّرَجَةِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ لَا بِالْكَسْبِ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ التَّفْضِيلُ لِزِيَادَةِ فَضْلٍ لَهُ فِي الدِّينِ.

فَعَلَيْهِ عَلَى الْوَاهِبِ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْهِبَةِ لِأَوْلَادِهِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ وَابْنَتِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْبِنْتَ كَمَا يُعْطِيَ الصَّبِيَّ وَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .

وَقَدْ رَوَى أَحَدُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ أَبَاهُ قَدْ وَهَبَهُ مَالًا وَأَرَادَ أَنْ يُشْهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ فَتَمَثَّلْت أَنَا مَعَ أَبِي فِي حُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ أَبِي لَهُ الْأَمْرَ فَسَأَلَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَك أَوْلَادٌ غَيْرَهُ؟ فَأَجَابَهُ أَبِي: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ، هَلْ وَهَبْتَهُمْ مِثْلَ مَا وَهَبْت هَذَا؟ فَقَالَ أَبِي: كَلًّا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا جَوْرٌ» : أَيْ ظُلْمٌ (الْعِنَايَةُ) .

إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ يَفْضُلُ غَيْرَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْكَمَالِ فَلَا بَأْسَ مِنْ تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ مُسَاغًا لِلتَّرْجِيحِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِهِ فَاسِقٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ، مُعِينًا لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ فَاسِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ وَيَحْرِمَهُ، عَنْ الْمِيرَاثِ هَذَا خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ بِاخْتِصَارٍ) .

الِاخْتِلَافُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ:

لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّ الْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ وَقَعَا فِي حَالٍ صِحَّةِ الْوَاهِبِ وَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا وَقَعَتْ حَالَ الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَ الْهِبَةِ فِي حَالِ الْمَرَضِ عَلَى قَوْلٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١١) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ.

وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ لِمَنْ يَدَّعِي وُقُوعَهُ حَالَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>