للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَدَمُ كَوْنِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةً مُطْلَقٌ. يَعْنِي أَنَّهُ سَوَاءٌ أَتْلَفَتْ الْمَنَافِعُ الْمَذْكُورَةُ - كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَ الْغَاصِبُ الْفَرَسَ الْمَغْصُوبَ شَهْرًا أَوْ أَجَّرَهُ لِآخَرَ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ - أَمْ عَطَّلَهُ بِأَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْغَاصِبُ الْفَرَسَ الْمَغْصُوبَ فِي شُغْلِهِ أَوْ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدًا يَسْتَعْمِلُهُ وَأَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ شَهْرًا. لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مَالُ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَتَكُونُ مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةً فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْضًا. وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ شَرْحًا أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ اخْتَارُوا مَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا (أَبُو السُّعُودِ، الْعَيْنِيُّ، الْعِنَايَةُ، نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ) . وَالْحَاصِلُ، كَمَا أَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٥٩٦) لَيْسَتْ مَضْمُونَةً فَبَدَلُ الْمَنَافِعِ أَيْضًا لَيْسَ مَضْمُونًا. إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَلَا تَطِيبُ وَلَا تَحِلُّ لَهُ وَقَدْ اجْتَهَدَ بِذَلِكَ الطَّرَفَانِ. لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي تَكُونُ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ حَلَالًا لِلْغَاصِبِ. وَقَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٧ ٤) الْخِلَافُ الْوَاقِعُ فِي حَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الْإِجَارَةَ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةٍ مِنْهَا (الدُّرُّ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .

وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، أَنَا أَمَرْتُك بِالْإِيجَارِ وَعَلَيْهِ فَالْأُجْرَةُ لِي وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ لَمْ تَأْمُرْنِي، وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَكِنْ لَوْ أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ وَبَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ قَائِلًا إنِّي قَدْ أَجَزْت الْإِجَارَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْأَنْقِرْوِيُّ وَعَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ مَوْجُودَةً عَيْنًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَكَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهَا مَعَ أَصْلِهَا فَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِالتَّعَدِّي كَانَ ضَامِنًا. وَالضَّمِيرُ فِي " اسْتَهْلَكَهَا " فِي فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ هَذِهِ رَاجِعٌ إلَى الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ حَصْرًا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي إرْجَاعِ الضَّمِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ اسْتِخْدَامٌ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَتَرْجِعُ الزَّوَائِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلْنُوَضِّحْ الْآنَ هَذَا الْخِلَافَ. تَكُونُ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ مَضْمُونَةً فِي صُورَتَيْنِ أُولَاهُمَا: هَلَاكُهَا بِتَعَدِّي الْغَاصِبِ بِاسْتِهْلَاكِهَا أَوْ بِبَيْعِهَا وَتَسْلِيمِهَا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الزَّوَائِدُ مَضْمُونَةً بِالِاتِّفَاقِ، مَثَلًا لَوْ وَلَدَتْ الْفَرَسُ الْمَغْصُوبَةُ فُلُوًّا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ كَانَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَنَّ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْوَدِيعَةِ حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِمُجَرَّدِ بَيْعِهِ إيَّاهَا بَلْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِي حَالَةِ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُشْتَرِي. سُؤَالٌ، بِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْعِ الزِّيَادَةِ وَتَسْلِيمِهَا تَفْوِيتٌ لِيَدِ الْمَالِكِ تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَفَمَا كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ؟ جَوَابٌ: لَمَّا كَانَ فِي إمْكَانِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَخْذُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَقَدْ زَالَ تَمَكُّنُهُ هَذَا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ أَصْبَحَ ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِيَدِ الْمَالِك (الْكِفَايَةُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>