للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْصِلَ حُكْمًا عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَيَدَّعِيَ عَلَى الْآخَرِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . كَالْقَبْضِ بِالتَّرَاضِي الْقَضَاءُ لَقِيمَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَإِذَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمَا إمَّا الْمَالِكَ أَوْ غَاصِبَ الْغَاصِبِ أَوْ مُودِعُهُ بَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ) . أَمَّا الطَّرَفَانِ فَقَدْ ذَهَبَا إلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ دُونَ تَضْمِينِ الْآخَرِ مِنْهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الْآخَرِ أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى بَرِئَ هَذَا الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْأَوَّلِ وَيَلْحَقُ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَاكِمِ. مَثَلًا إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ كُلَّ الْمَغْصُوبِ وَوَافَقَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ بَرِئَ الْغَاصِبُ الثَّانِي بِالْكُلِّيَّةِ وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ نِصْفَ الْمَغْصُوبِ وَوَافَقَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ بَرِئَ الْغَاصِبُ الثَّانِي مِنْ هَذَا النِّصْفِ فَقَطْ. وَعَلَيْهِ لَوْ تُوُفِّيَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ مُفْلِسًا أَوْ صَارَ مُعْدَمًا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مُؤَاخَذَةُ الْغَاصِبِ الثَّانِي لِأَنَّ تَضْمِينَ الْكُلِّ تَمْلِيكُ الضَّامِنِ الْمَغْصُوبَ كُلَّهُ وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَئِذٍ تَمْلِيكُ غَيْرِهِ إيَّاهُ كَمَا أَنَّ تَضْمِينَ الْبَعْضِ تَمْلِيكُ ذَلِكَ الْبَعْضِ أَيْضًا وَلَيْسَ لَهُ تَمْلِيكُ آخَرَ إيَّاهُ أَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلَهُ تَمْلِيكُهُ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْبَزَّازِيَّةُ) .

أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي فَلَا يَحْرُمُ هَذَا الِاخْتِيَارُ وَالْمُوَافَقَةُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِنْ حَقِّ تَضْمِينِ الْآخَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي عَشَرَ) . وَلَمْ يَرِدْ فِي الْمَجَلَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِهَا أَحَدَ الْمَذْهَبَيْنِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.

اسْتِثْنَاءٌ: تُسْتَثْنَى ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الِاخْتِيَارِ الَّذِي جُعِلَ فِي الْمَجَلَّةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَالُ الْوَقْفِ، إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مَالَ وَقْفٍ يَجِبُ تَضْمِينُ مَنْ كَانَ تَضْمِينُهُ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَالْغَاصِبِ الثَّانِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ.

مَثَلًا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مَالَ الْوَقْفِ فِي مُحَرَّمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ قِرْشًا ثُمَّ غَصَبَهُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي صَفَرٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةُ قِرْشٍ فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ الثَّانِي مَلِيئًا وَغَنِيًّا فَكَمَا أَنَّ تَضْمِينَهُ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ بِتَضْمِينِهِ مِائَةَ قِرْشٍ فَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ لَهُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ تَضْمِينُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الْغَاصِبِ الثَّانِي كَانَ الْمُتَوَلِّي مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ قِرْشًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِي مِائَةَ قِرْشٍ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ وَتَضْمِينَ الْغَاصِبِ الثَّانِي أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ لَهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٥٨) .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ صَبَّ أَحَدٌ مَاءً عَلَى بَيْدَرِ قَمْحٍ لِآخَرَ فَأَوْرَثَهُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي الْقِيمَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ صَبَّ شَخْصٌ آخَرُ الْمَاءَ عَلَى الْبَيْدَرِ الْمَذْكُورِ فَازْدَادَ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ كَانَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ. وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ الثَّانِي قِيمَتَهُ يَوْمَ صَبِّهِ الْمَاءَ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُمْكِنُهُ إرْجَاعُهُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى أَيْ إرْجَاعُهُ إلَى حَالَتِهِ عِنْدَ صَبِّ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ الْمَاءَ عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>