للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي كُلِّ دَعْوَى فَاسِدَةٍ كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ.

الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ الْأَصْلِ أَيْ الدَّعْوَى الْغَيْرُ قَابِلَةِ التَّصْحِيحِ، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى: الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ أَيْضًا، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى.

مَثَلًا: لَوْ ادَّعَى أَخَ الْمُتَوَفَّى بِطَلَبِ حِصَّةٍ إرْثِيَّةٍ مَعَ وُجُودِ وَلَدٍ لِلْمُتَوَفَّى فَاصْطَلَحَ عَنْ دَعْوَاهُ مَعَ ابْنِ الْمُتَوَفَّى عَلَى مَالٍ فَلَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ.

كَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ أَحَدٌ آخَرَ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ وَسَلَّمَهُ لِمُوَكِّلِهِ فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ بِطَلَبِ دَفْعِ بَاقِي الدَّيْنِ بِسَبَبِ قَبُولِ الْوَكِيلِ لِلْوَكَالَةِ، وَاصْطَلَحَ مَعَ الْوَكِيلِ عَنْ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ مَالٍ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ.

كَذَلِكَ لَوْ حَصَلَ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى فَرَاغٍ فِي الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ الَّذِي لَمْ يَجْرِ فِي دَوَائِرِ التَّمْلِيكِ (دَفْتَرُ خَافَانِي) فَالصُّلْحُ عَنْ تِلْكَ الدَّعْوَى بَاطِلٌ.

كَذَلِكَ الدَّعْوَى بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَأُجْرَةِ التَّصْدِيرِ الْمُحَرَّمِ وَالرِّبَا وَالْحُلْوَانِ (الْمُكَرَّمَةِ) وَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ مِنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ.

وَكَذَلِكَ الِادِّعَاءُ بِتَضْمِينِ الْمَالِ الَّذِي تَلِفَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، أَوْ الْمُشْتَرَكِ بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَالسَّرِقَةِ مِنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ إلَّا أَنَّ بُطْلَانَ الصُّلْحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَيْ فِي حَالَةِ الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ الَّذِي تَلِفَ بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْهُ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ ٦٠٧) .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعَاوَى بَاطِلَةٌ كَمَا أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ تِلْكَ الدَّعَاوَى بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ بَاطِلٌ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَعْوَى وَتَصَالَحَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .

(النَّوْعُ الثَّانِي) الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ الْوَصْفِ أَيْ الدَّعْوَى الْقَابِلَةُ التَّصْحِيحَ كَأَنْ يَكُونَ فِي الدَّعْوَى قُصُورٌ وَخَلَلٌ. فَالصُّلْحُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى صَحِيحٌ (الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ) .

مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَقَارًا، وَأَخْطَأَ فِي بَيَانِ الْحُدُودِ، أَوْ أَنَّهُ تَصَالَحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ الْأَرْبَعَةَ وَيُوَضِّحَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْمَادَّةِ (الـ ١٦٢٣) كَانَ صَحِيحًا (الْبَزَّازِيَّةُ) .

رُكْنُ الصُّلْحِ: إنَّ رُكْنَ بَعْضِ الْعُقُودِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالْإِيدَاعِ كَمَا أَنَّ رُكْنَ بَعْضِ الْعُقُودِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ فَقَطْ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَالْكَفَالَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ ٦٢١) .

فَالصُّلْحُ مِنْ أَيِّهِمَا يُفَصَّلُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ يَنْعَقِدُ بِصُوَرٍ خَمْسَةٍ.

الْأُولَى - بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.

الثَّانِيَةُ - بِالْإِيجَابِ مِنْ الْمُدَّعِي.

الثَّالِثَةُ - بِالتَّعَاطِي.

الرَّابِعَةُ - بِالْكِتَابَةِ.

الْخَامِسَةُ - بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْرُوفَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>