للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبُ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ، إنَّ سَبَبَ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ هُوَ كَمَا بَيَّنَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَبَيَّنْت نُبْذَةً مِنْهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ " ١٧٩٢ و ١٧٩٣ ". لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْقُضَاةُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَدِ الطُّولَى فِي الْعُلُومِ الْعَدِيدَةِ فَإِذَا اشْتَغَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ بِأُمُورِ الْقَضَاءِ دَائِمًا فَلَا يَتَّسِعُ وَقْتُهُمْ لِتَتَبُّعِ الْعُلُومِ الْأُخْرَى وَالِاشْتِغَالِ بِهَا فَيَنْتُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَطْرَأَ ضَعْفٌ عَلَى عِلْمِهِمْ بِالْعُلُومِ الْأُخْرَى مَا عَدَا عِلْمَ الْفِقْهِ فَلِذَلِكَ رُئِيَ مِنْ الْمُوَافِقِ أَنْ يَشْتَغِلَ هَؤُلَاءِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فِي الْقَضَاءِ وَأَنْ يَعُودُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَدْرِيسِ الْعُلُومِ الْأُخْرَى حَتَّى أَنَّهُ كَانَ فِي السَّابِقِ فِي زَمَنِ الْحُكْمِ الْعُثْمَانِيِّ يُعْتَنَى الِاعْتِنَاءُ الزَّائِدُ فِي تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ إلَى أَصْحَابِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَيُقَلَّدُ الْقَضَاءُ لِلْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَالصُّلَحَاءِ الْمُحْتَرَمِينَ مِمَّنْ كَانَ مُسْتَجِيزًا وَمُجِيزًا لِلْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْفُنُونِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ يَعْتَذِرُونَ عَنْ قَبُولِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَا يُحْرَمُونَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْفُنُونِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلِذَلِكَ كَانَ يُقَلَّدُ الْقَضَاءُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِمُدَّةٍ مُوَقَّتَةٍ حَتَّى يُقَلَّدَ الْقَضَاءُ لِأَهْلِهِ وَمُسْتَحِقِّهِ وَلِإِجَابَةِ طَلَبِ أَصْحَابِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ مِنْهُمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَإِلَّا فَتَوْجِيهُ الْقَضَاءِ بِدُونِ تَوْقِيتٍ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ ١٨١٨ أَنَّ الْقَاضِيَ شُرَيْحًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ مُدَّةَ ثَمَانِينَ سَنَةً كَمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمَنِ يُوجَدُ قُضَاةٌ قَدْ اشْتَغَلُوا فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ بِلَا عَزْلٍ حَتَّى إنَّ حَضْرَةَ وَالِدِي الْمُبَجَّلِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ وَأَكَابِرِ الصُّلَحَاءِ الْحَاجِّ مُحَمَّدُ أَمِينٍ أَفَنْدِي الْمُدَرِّسِ الْعَامِّ فِي جَامِعِ بايزيد قَدْ عُيِّنَ فِي سَنَةِ ١٣٠٤ لِأُمُورِ الشَّرْعِ بأزمير وَقَدْ خَدَمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، بِلَا انْفِصَالٍ، تِلْكَ الْوَظِيفَةُ بِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ كَالْوَظَائِفِ الَّتِي خَدَمَهَا فِي السَّابِقِ.

وَفِي زَمَانِنَا يُوجَدُ مَدْرَسَةٌ خَاصَّةٌ تُدَرَّسُ. فِيهَا الْعُلُومُ الْمُقْتَضِيَةُ لِهَذِهِ الْمَنَاصِبِ الْقَضَائِيَّةِ بِمَا فِيهِ عِلْمُ الْفِقْهِ وَيُعَيَّنُ خِرِّيجُ الْمَدَارِسِ قَاضِيًا فَلَمْ يَبْقَ سَبَبٌ لِتَوْقِيتِ الْقَضَاءِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ تَوَلَّدَ مِنْ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ فَلِذَلِكَ رُفِعَ التَّوْقِيتُ بِتَارِيخِ سَنَةِ ١٣٣١ وَكَانَ الْقَاضِي يَبْقَى فِي وَظِيفَتِهِ مُسْتَمِرًّا مَا دَامَ يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهَا. كَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَاضِي الَّذِي يُعَيِّنُ لِيَحْكُمَ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَيَّامٍ أُخْرَى.

تَقْيِيدُ الْقَضَاءِ بِالْمَكَانِ: وَكَذَلِكَ الْقَاضِي الْمَنْصُوبُ فِي قَضَاءٍ يَحْكُمُ فِي جَمِيعِ مَحَلَّاتِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ إذْ أَنَّ الْمَصِيرَ لَيْسَ بِشَرْطِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِي الْقُرَى الدَّاخِلَةِ ضَمِنَ قَضَائِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي قَضَاءٍ آخَرَ وَهَذَا الْمِثَالُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِثَالٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَكَانِ فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ قَاضِي بَلْدَةٍ إلَى قَصَبَةٍ غَيْرِ تَابِعَةٍ لِلْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>