للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلُوبَةٍ لَهُ مِنْ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَعَلَيْهِ يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَجَعْلُ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ الدَّيْنَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُمُورِ السَّائِرَةِ فَبِمَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ جَعْلُ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ دَيْنَيْنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٢٢) . إذَا قِيلَ إنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْكَفَالَةِ دَيْنَانِ أَحَدُهُمَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَالثَّانِي فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ يَكُونُ غَيْرُ مَعْقُولٍ. لِأَنَّهُ إذَا جُوِّزَ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَفِي ذِمَّةِ عَمْرٍو عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أُخْرَى وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ عَمْرٍو بَعْدَ أَنْ اُسْتُوْفِيَ مِنْ زَيْدٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ هُوَ مَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ إلَّا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رِوَايَةٍ قَدْ ذَهَبَ إلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ. وَأَدِلَّةُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي هِيَ كَمَا يَأْتِي:

أَوَّلًا - يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ كَالْأَصِيلِ. وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا أَنَّهَا فَرْعٌ لِلدَّيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْعُ بِدُونِ الْأَصْلِ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُطَالَبَةُ بِدَيْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ دَيْنٌ وَلِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ الزَّيْلَعِيّ.

وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا تُتَصَوَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِدَيْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَوْجُودًا وَالدَّيْنُ لَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ حَالٍ مَنْ يُطَالَبُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ مُطَالَبٌ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ مُوَكِّلِهِ وَدَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُوَكِّلَ مِنْ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي - وَقَدْ تَنْفَصِلُ الْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّ الدَّائِنِ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ لِلدَّائِنِ الْمُطَالَبَةُ بِدَيْنٍ لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا لَهُ وَذَلِكَ كَمُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُشْتَرِيَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ حَقًّا لِلْوَكِيلِ بَلْ مَالُ الْمُوَكِّلِ. فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْفَصَلَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ وَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْكَفِيلِ لِكَفَالَتِهِ مَعَ ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ - وَالْمُطَالَبَةُ كَمَا تَنْفَصِلُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ بِتَأْجِيلِهِ تَنْفَصِلُ فِي الْكَفَالَةِ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ بَقِيَ لِأَحَدٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ مِائَةُ جُنَيْهٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ مَثَلًا وَأَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ مُدَّةَ سَنَةٍ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ انْفَصَلَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الدَّيْنِ فَيُمْكِنُ انْفِصَالُهَا كَذَلِكَ عَنْهُ فِي الْكَفَالَةِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ - وَنِسْبَةُ الْمُطَالَبَةِ لِلدَّيْنِ كَنِسْبَةِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ إلَى مِلْكِ الْعَيْنِ. وَكَمَا يَجُوزُ انْفِصَالُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ " أَيْ أَنَّ الرَّاهِنَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ مَالِكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>