الْمَكْفُولَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدُ، وَلُزُومُهُ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ نَفْسَهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْمَادَّةِ (٦٣٦) أَنَّ الْكَفَالَةَ بِدَيْنٍ كَهَذَا هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْكَفَالَةِ الْمُضَافَةِ وَصَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لَهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ مُقَابِلَهُ.
وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا أَنَّ الرَّهْنَ مُقَابِلَ الدَّرَكِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الدَّرَكَ لَيْسَ بِحَقٍّ مُمْكِنٍ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، إذْ حَيْثُ إنَّ إعَادَةَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لَمْ تَلْزَمْ بَعْدُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ (كِفَايَةٌ) ، وَسَوَاءٌ أَضُبِطَ الْمَبِيعُ مُؤَخَّرًا بِالِاسْتِحْقَاقِ أَمْ لَمْ يُضْبَطْ (دُرَرٌ) ، مَثَلًا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهُ إيَّاهُ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُضْبَطَ الْمَبِيعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَخَذَ مُقَابِلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ الْمَرْهُونُ يَكُونُ أَمَانَةً مَحْضَةً بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ الْحُكْمُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَإِعَادَةِ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحِقُّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ وَلَوْ ضُبِطَ الْمَبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْبَاطِلَ لَا وُجُودَ لَهُ (زَيْلَعِيٌّ) وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ وَإِنْ تَحَقَّقَ الدَّرَكُ بِضَبْطِ الْمَبِيعِ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يَنْقَلِبُ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ إلَى الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّرَكِ أَيْضًا بَلْ يَجِبَ إعَادَتُهُ إلَى الرَّهْنِ (شِبْلِيٌّ) ، وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ ضَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبِيعُ مَالَهُ فَإِعْطَاءُ الرَّهْنِ مُقَابِلَ الدَّرَكِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الرَّهْنِ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الْمَعْدُومِ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُؤْخَذَ الْمَبِيعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي يَصِحُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ لِلْمُشْتَرِي مَالًا آخَرَ بِصِفَةِ رَهْنٍ؛ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ الْحَالَةِ يَكُونُ قَدْ ثَبَتَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ (كِفَايَةٌ) .
وَالرَّهْنُ مُقَابِلَ دَيْنٍ غَيْرُ لَازِمٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مَعًا وَغَيْرُ لَازِمٍ ظَاهِرًا فَقَطْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَاطِلٌ كَإِعْطَاءِ رَهْنٍ مُقَابِلَ ثَمَنِ جِيفَةٍ بِيعَتْ بِاعْتِبَارِهَا جِيفَةً فَإِذَا هَلَكَ هَذَا الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانَةٌ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧١٠) وَشَرْحَهَا. وَلَكِنَّ الرَّهْنَ مُقَابِلَ الدَّائِنِ الْمَوْعُودِ جَائِزٌ مَعَ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِ الدَّيْنِ مَعْدُومًا وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ كَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ لَا يَكُونَ جَائِزًا قِيَاسًا عَلَى الرَّهْنِ مُقَابِلَ الدَّرَكِ إنَّمَا الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ وَأَنَّ الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ يُؤَدَّى وَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُودِ غَالِبًا، وَالِاعْتِبَارُ لِلْغَالِبِ التَّابِعِ وَلَيْسَ لِلْمَغْلُوبِ النَّادِرِ، اُنْظُرْ الْمَبْحَثَ الثَّانِيَ الْعَائِدَ لِشَرْحِ الْمَادَّةِ (٧١٠) . وَأَمَّا الدَّرَكُ فَهُوَ بِعَكْسِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا (الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبِيعُ مَالَ نَفْسِهِ) ، فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الصِّفَةُ الْمُخَصِّصَةُ لَفْظَ الْحَقِّ، يَعْنِي هُوَ حَقٌّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ تَسْتَلْزِمُ تَقْيِيدَ الْحَقِّ بِالْمَالِيِّ فَتَخْرُجُ، كَمَا ذُكِرَ أَيْضًا الْحُقُوقُ الَّتِي هِيَ مِثْلُ حَقِّ الْقِصَاصِ وَيَتَقَيَّدُ الْمَالُ أَيْضًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، إذْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَالًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ الْحَقِّ مِنْهُ، يَعْنِي أَنْ يَكُونَ إيفَاءُ الْحَقِّ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ الْمَالِ مُمْكِنًا وَاحْتُرِزَ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَالِ الْفَاسِدِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَاحْتُرِزَ أَيْضًا بِتَوْصِيفِهِ بِصِفَةِ (اسْتِيفَائِهِ) مِنْ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمَانَةِ فَأَخْذُ الرَّهْنِ مُقَابِلَ مَالِ أَمَانَةٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا صُرِّحَ فِي الْمَادَّةِ (٧٦٨) حَيْثُ إنَّ الْأَمَانَةَ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً إذَا هَلَكَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute