للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرُوِيَ أنَّ عُمَر ضرب رجلاً في مثل ذلك، وسُئل أَبُو الدَّرْدَاء عن ذلك، فقال: وهل يَفْعَلُ ذلك إلا كافرٌ.

وذُكر لابن عُمَر ذلك، فقال: هل يَفْعَله أحدٌ مِنْ المُسلمين؟. (١)

وقال النووي: قال العلماء: وقوله تعالى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي موضع الزرع مِنْ المرأة وهو قُبُلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قُبُلِها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة، وأمَّا الدُّبُر فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله {أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم، واتفق العلماء الذين يُعْتَدُّ بهم على تحريم وطء المرأة في دُبُرها حائضاً كانت أو طاهراً لأحاديث كثيرة، قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال. (٢)

وقال ابن القيم: ومِنْ ها هُنَا نَشَأَ الغَلَطُ على مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الإبَاحَةُ مِنَ السَّلَفِ والأئمَّة، فإنَّهُم أباحوا أنْ يكونَ الدُّبُرُ طريقًا إلى الوَطْءِ في الفرج، فَيَطَأُ مِنَ الدُّبُرِ لا في الدُّبُرِ، فاشتبه على السَّامِعِ "مِنْ" بـ "فِي" ولم يَظُنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فهذا الذي أباحهُ السَّلَفُ والأئمَّة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغَلَطِ وأفحشه.

وقال مجاهد: سألتُ ابنَ عَبَّاسٍ عن قوله تعالى {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (٣)، فَقَالَ: تأتيها من حيثُ أُمِرْتَ أن تَعْتَزِلَهَا، يعني في الحيض. وقال علي بن أبي طلحة، عنه: في الفرج، ولا تَعْدُهُ إلى غيره.

وقد دلَّت الآية على تحريم الوطء في دُبُرِهَا؛ لأنَّه أباح إِتْيَانَهَا في الحَرْثِ، وهو موضعُ الولد لا في الحُشِّ الذي هو موضع الأذى، وموضعُ الحَرْثِ هو المراد من قوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}؛ وإتيانها في قلبها مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الآية أيضاً؛ لأنَّه قال: {أَنَّى شِئْتُمْ}، أي: مِنْ أين شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أو مِنْ خَلْفٍ.

وإذا كان اللَّهُ حَرَّمَ الوطء في الفرج لأجل الأذى العَارِضِ، فما الظَّنُّ بِالحُشِّ الذي هو مَحَلُّ الأذى اللَّازم مع زيادة المفسدة بالتَّعَرُّض لانقطاع النَّسْلِ والذَّريعة القريبة جدّاً مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ إلى أَدْبَارِ الصِّبْيَانِ. (٤)

* * *


(١) يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (٩/ ١٠٦).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (١٠/ ٦).
(٣) سورة "البقرة"، آية (٢٢٢).
(٤) يُنظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢٣٠)، "الطب النبوي" (١/ ١٩٥). ومَنْ رام المزيد، فليُراجع: "جامع البيان" للطبري (٤/ ٤١٣)، و"شرح المُشْكِل" للطحاوي (١٥/ ٤٣٤)، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ٩٠)، "تفسير القرآن" لابن كثير (١/ ٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>