ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على أيوب السِّخْتِيَانيّ، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي الله عنه -، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (مرفوعًا).
الوجه الثاني: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي الله عنه - (موقوفًا).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ لانفراد مُعاوية بن أبي العَبَّاس بروايته عن أيوب بالوجه الأول؛ مع مخالفته لِمَا رواه الثِّقات عن أيوب.
قلتُ: ومُعاوية بن أبي العَبَّاس: "كان يَسْرق أحاديث الثوري، فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه" - كما سبق في ترجمته -، والحديث رواه الثوري عن أيوب بالوجه الثاني؛ فلَعَلَّ الحديث سرقه مُعاوية بن أبي العَبَّاس مِنْ الثوري، ورواه عن أيوب، ثُمَّ أخطأ فيه فرفعه، والله أعلم.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل مُعاوية بن أبي العبَّاس "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فتركوه"، وقد خالف ما رواه الثقات عن أيوب السَّخْتِيَانيّ.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح "صَحيحٌ"، وأصله مِنْ طُرُقٍ عن أيوب في "الصحيحين".
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:
قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْو هذا الحديث عن مُعاوية إلا مَرْوَان.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: اختلف العلماء في المُرَادِ بهذه الْآيَةِ الكَرِيمَةِ، فقال مَالِكٌ: هي على التَّخْيِيرِ، فَيُخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَارِبُ قَدْ قَتَلَ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ؛ وقال أبو حَنِيفَةَ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الْمَالِكِيُّ: الإِمَامُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ قَتَلُوا؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُونَ: هِيَ عَلَى التَّقْسِيمِ، فَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا، وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، فَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا وَلَمْ يَقْتُلُوا طُلِبُوا حَتَّى يُعَزَّرُوا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ عِنْدَنَا؛ قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَتْ عُقُوبَاتُهَا مُخْتَلِفَةً، وَلَمْ تَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمُحَارَبَةِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَهَلْ تَثْبُتُ فِي الْأَمْصَارِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَثْبُتُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: تَثْبُتُ.