للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "إسناده صحيحٌ"، ومُجالدٌ وإنْ كان ضَعيفاً فلم يَنْفَرد به، فقد ساق الطبراني روايته مقرونة برواية القاسم بن الوليد، والقاسم "ثِقَةٌ". وللحديث مُتابعات كثيرة في "الصحيحين".

رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن القاسم بن الوليد ومُجَالِد إلا عُبَيْدَةُ بن الأسود، تَفَرَّدَ به: عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ بن أَبَانَ.

قلتُ: وحكم الإمام بالتَّفرد صحيح، لم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرد نسبيٌّ.

ولعلَّ مراد الإمام بقوله: "لم يَرْوِه عن القاسم بن الوليد ومُجَالِد إلا عُبَيْدَةُ بن الأسود"، أي مقرونين؛ وإلا فقد أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (١٨١٤١) عن عَبْدَة بن سُلَيْمَانَ أبي مُحَمَّدٍ الكِلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وذكر الحديث بنحوه.

ولا يُتَعَقَّب على المُصَنَّف - رضي الله عنه - بذلك، فَعَبْدَة بن سُليمان إنَّما رواه عن مُجالد وحده، غير مقرونًا برواية القاسم بن الوليد؛ أضف إلى ذلك أنَّ عَبْدَة بن سُليمان رواه عن الشَّعبيّ عن المغيرة - رضي الله عنه - مباشرة، بدون ذكر عروة.

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث فيه جملة من الفوائد - أي مِن مجموع رواياته -، مِنْها: الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، واستحباب الدوام على الطهارة لأمره - صلى الله عليه وسلم - المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنَّما توضأ به حين رجع، وفيه: جواز الاستعانة عند الوضوء، وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار وأنَّه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه، وفيه: الانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لبس الجُبَّة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت؛ لأن الجبة كانت شامية، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه: الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك وهي بعدها باتفاق. وفيه: التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه؛ لكونها أعون على ذلك. وفيه: المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر. وفيه: أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لإخراجه - صلى الله عليه وسلم - يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه. أ. هـ (١)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" (١/ ٣٠٧ - ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>