للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن صَدَقَةَ بن عبد الله إلا عبدُ اللَّهِ بن يَزِيدَ.

قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

ثامنًا: - التعليق على الحديث:

قال الحافظ ابن حجر: هذه المسألة من الخلافيات الشهيرة، وللعلماء فيها مذاهب: الوقوع مطلقًا، وعدم الوقوع مطلقًا، والتفصيل بين ما إذا عيَّن أو عمَّم، ومنهم من توقف؛ فقال بعدم الوقوع: الجمهور، وهو قول الشافعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث، وقال بالوقوع مطلقًا أبو حنيفة وأصحابه، وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى ومن قبلهم، ومالك في المشهور عنه، وعنه عدم الوقوع مطلقًا ولو عين، … قال البيهقي - بعد أن أخرج كثيرًا من الأخبار، ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع -: هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما، وأن تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس بشيء؛ لأن كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الإخبار فائدة، بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره، فإن فيه فائدة وهو الإعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود العقد، فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الأخبار على ظاهرها، والله أعلم. (١)

قلتُ: وقول الجمهور هو الراجح؛ لقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)} (٢)، قال الإمام القرطبي: استدل بعض العلماء بقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} وبمهلة {ثُمَّ} على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأنَّ مَنْ طَلَّق المرأة قبل نكاحها وإن عيَّنها، فإن ذلك لا يلزمه، وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحبٍ وتابعٍ وإمامٍ، سمَّى البخاري (٣) منهم اثنين وعشرين. (٤)

وقال ابن كثير: وقد استدل ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح؛ لأن الله تعالى أعقب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله، وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وطائفة كثيرة من السلف والخلف، رحمهم الله تعالى. (٥)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ٣٨٦).
(٢) سورة "الأحزاب"، آية (٤٩).
(٣) يُنظر: "صحيح البخاري" ك/الطلاق، ب/لا طلاق قبل النكاح (٧/ ٤٥).
(٤) يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٤/ ٢٠٣).
(٥) يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٦/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>