للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعًا: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"، لأجل قيس بن الرَّبيع، وأبي بلال الأشعري "ضَعيفَان"، وفيه علَّة أخرى، وهي: قوله في الحديث " كَافَّةً عَنِّي"، فقد خالف فيها قيس بن الربيع ما رواه الثقات عن هِشَام بن عروة، حيث قالوا: "مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّة عَنِّي".

لذا قال ابن عساكر: كذا قال - أي أبو بلال الأَشْعريّ - "كافةٌ" بالفاء، والمحفوظ كاعَّةٌ بالعين.

وكاعةٌ: جَمْعُ كَائِعٍ، وهو الجَبَانُ، كما يقال: بائع وباعة، وقائد وقَادةٌ، يريد: أنَّه كان يحوط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَذُبُّ عَنْه، فكانت قُريْش تَكِيع وتَجْبُن عن أذاه، يقال: كَعَّ الرجلُ عن الأَمر إذا جَبُن وانْقَبَض، أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْبُنُون عَنْ أذى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حياة أبي طَالِبٍ، فَلَمَّا مَاتَ اجْتَرَأوا عَلَيْهِ. (١)

وقال الهيثميّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيفٌ. (٢)

قلتُ: والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" بسند صحيح، مِنْ طريق عُقْبَة المُجَدَّر، عن هِشَام بن عروة، عن أبيه، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي، حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ».

وقال الحاكم: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ.

فالحديث بهذه المتابعة يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.

وقال الحاكم: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا مَاتَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ لَقِيَ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ أَذًى مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ ابْتُلُوا وَشَطَّتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ تَفَرَّقُوا، وَأَشَارَ قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أَرْضًا فِيهِ تَرْحَلُ إِلَيْهَا قُرَيْشٌ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ، فَكَانَتْ أُولَى الْهِجْرَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِعَدْلِهِ. (٣)

خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ إلا قَيْسٌ، تَفَرَّدَ به: أبو بِلالٍ.

قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، لكنَّه مُقَيَّدٌ بقوله في الحديث: " كَافَّةً عَنِّي"، فلم يَروه عن هشام بن عروة بهذا اللفظ إلا قيس بن الربيع، تَفَرَّد به: أبو بلال.

بينما رواه عُقْبَة المُجَدَّر، ويُونس بن بُكير عن هشام بن عروة، بلفظ: "كَاعَّة عَنِّي".

* * *


(١) يُنظر: "غريب الحديث" (١/ ١٢٩)، و"الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (٣/ ٢٩٠)، "النهاية" لابن الأثير (٤/ ١٨٠).
(٢) يُنظر: "مجمع الزوائد" (٦/ ١٥).
(٣) يُنظر: "المستدرك" (٢/ ٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>