للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أرسله عنه. وعليه فيرجع الحديث إلى طريق زيد بن سلام، ويَسْلَم كلام الإمامين، والعلم عند الله تعالى.

خامسًا:- التعليق على الحديث:

- يدل هذا الحديث على أنّ عمل العبد لا يُقبل إلا بعد الإيمان بالله - عز وجل -، وأنّ العبْد مهما عَمِل في الشرك حتى ولو كان في السقاية، وعمارة المسجد الحرام فلن يُقبل منه، قال الله - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} … (١)، وقال الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)} (٢).

قال الإمام الطبري: وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم - جل جلاله - أنَّ الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السِّدانة والسقاية. (٣)

- وفيه دليل على أن الإيمان بالله - عز وجل -، والجهاد في سبيله أفضل من سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام بدرجاتٍ كثيرة، قال الشيخ السّعْدي في "تفسيره": فالجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.

وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل، وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر. (٤)

- ولقد اختلف المفسرون في سبب نزول قول الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (٥) على ستة أقوال؛ لكن حديث الباب أصحّ ما وَرَد فيها. (٦)

* * *


(١) سورة "النساء"، آية (٤٨).
(٢) سورة "الزمر"، آية (٦٥).
(٣) يُنظر: "جامع البيان في تأويل القرآن" (١٤/ ١٦٨).
(٤) يُنظر: "تفسير السّعْدي" (ص/ ٣٣٢).
(٥) سورة "التوبة"، آية (١٩).
(٦) يُنظر: "زاد المَسِير في عِلْم التفسير" لابن الجوزي (٢/ ٢٤٣)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٤/ ١٢١)، "فتح القدير" للشوكاني (٢/ ٣٩٤). ولقد أثار الإمام القرطبي المُحدث في "المُفْهم" (٣/ ٧٢٠ - ٧٢١) إشكالًا حول هذا الحديث، وقد أجاب عنه، وينظر أيضًا في ذِكْره والجواب عنه "المحرر في أسباب النزول" د/خالد المزيني (١/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>