للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، … الحديث. (١)

وهذا إن كان موقوفًا من فِعْل كعب بن مالك - رضي الله عنه - فله حكم الرَّفع؛ لأنَّه فعله والقرآن ما زال يتنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه احتمالٌ قوي لاطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عدم إنكاره عليه، وإخبار كعب بن مالك به مع عدم وجود معارضٍ له من الصحابة فيه دليلٌ قوي على أنَّ له حكم الرفع، بل ويدل على أنه كان معهودًا في زمانهم. فهذه الشواهد بمجموعها يقوّي حديث الباب ويدل على مشروعية سجود الشكر. (٢)

_ وأمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم - «هَلَكَتِ الرِّجَالُ حِينَ أَطَاعَتِ النِّسَاءَ»، فيشهد له:

ما أخرجه البخاري في "صحيحه"، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». (٣)

قال الألباني - بعد أن ذكر الحديث برواية الباب -: أظنُّ أنَّ هذا الحديث عن أبي بكرة له أصل بلفظ آخر، وهو ما أخرجه البخاري في "صحيحه" من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - " لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فارسًا ملكوا ابنة كسرى، قال: "لن يفلح قوم ولَّوْا أمْرهم امرأة ". فهذا هو أصل الحديث، فرواه حفيده عنه باللفظ الأول فأخطأ، والله أعلم. وبالجملة، فالحديث بهذا اللفظ ضعيف لضعْف راوِيه، وخطئه فيه.

ثم إنه ليس معناه صحيحًا على إطلاقه، فقد ثبت في قصة صلح الحديبية أنَّ أُمَّ سلمة رضي الله عنها أشارت على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين امتنع أصحابه من أن ينحروا هديهم أن يخرج - صلى الله عليه وسلم - ولا يكلم أحدًا منهم كلمة حتى ينحر بدنه ويحلق، ففعل - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا (٤)، ففيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطاع أم سلمة فيما أشارت به عليه، فدل على أن الحديث ليس على إطلاقه. (٥)

رابعًا:- التعليق على الحديث:

قال البغوي: اتَّفَقُوا على أنَّ المرأة لا تصلحُ أن تكون إمامًا ولا قاضيًا، لأنَّ الإمام يحتاجُ إلى الخُرُوجِ لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأُمُورِ المُسْلِمِينَ، والقاضي يحتاج إلى البُرُوزِ لفصل الخُصُومَاتِ، والمرأة عَوْرَةٌ لا تصلحُ لِلْبُرُوزِ، وتعجزُ لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأنَّ المرأة ناقصةٌ، والإمامةُ والقضاءُ من كمال


(١) أخرجه البخاري (٤٤١٨)، ك/المغازي، ب/حديث كعب بن مالك، ومسلمٌ (٢٧٦٩)، ك/التوبة، ب/توبة كعب بن مالك.
(٢) ولمزيدٍ من الشواهد يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٣٩٣٢ - ٣٩٤١)، "معرفة السنن والآثار" (٤٧٤٣ - ٤٧٥٨)، "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٩)، "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (٩٥٤ - ٩٦٣)، "إرواء الغليل" (٤٧٤ - ٤٧٧).
(٣) الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (٤٤٢٥) ك/ المغازي، ب/ كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيْصر، وبرقم (٧٠٩٩) ك/ الفتن، ب/ الفتن التي تموج كموْج البحر.
(٤) أخرجه البخاري (٢٧٣١) ك/ الشروط، ب/ الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.
(٥) يُنظر: "السلسلة الضعيفة" (٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>