للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:

١) الأكثرية، والأحفظية؛ فرواه بالوجه الثاني: شُعبة، والثوري، وإسرائيل، وغيرهم، وهؤلاء مِنْ أثبت النَّاس في أبي إسحاق، ومِمَّن رووا عنه قبل الاختلاط. (١)

٢) والوجه الأول مِنْ رواية زائدة بن قُدامة، وقد اضطرب فيه، فرواه مَرَّة بالوجه الأول، ومَرَّة بالوجه الثاني، وقد تَكَلَّم الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي في روايته عن أبي إسحاق، فَيُرجح مِنْهما ما وافق رواية الجماعة.

٣) وأمَّا الوجه الثالث فرواه عبد الكبير بن دينار، ولم أقف على أحد وثَّقه غير ابن حبَّان، وهو مَرْوَزيٌّ، وليس الحديث بالوجه الثالث معروفًا عند الكوفيين، بالإضافة إلى اضطرابه فيه؛ لذا وَهَّمه الدَّارقُطنيّ.

٤) إخراج ابن حبَّان للوجه الثاني في "صحيحه" - والله أعلم -.

خامسًا: - الحكم على الحديث:

أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌّ"؛ لأجل زائدة بن قُدامة، تُكُلِّم في روايته عن أبي إسحاق، مع مخالفته لمَا رواه الثِّقات - شُعبة، والثوري، وإسرائيل، وغيرهم -، عن أبي إسحاق.

وفي الحديث عِلَّةٌ أُخرى، وهى "الانقطاع"، فأبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود: "ثِقَةٌ، لم يَصِح سماعه مِنْ أبيه" - على الراجح -، كما سبق في ترجمته - والله أعلم -.

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. (٢)

ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:

ومِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح - بإسناد الإمام أحمد - "صحيحٌ".

وأمَّا الاختلاط الذي وُصِفَ به أبو إسحاق، فالحديث رواه عنه: إسرائيل بن يُونس، وشعبة، والثوريّ، وهؤلاء مِنْ أَثْبَتِ النَّاس في أبي إسحاق، ومِمَّن رووا عنه قبل الاختلاط، فزال ما نخشاه مِنْ اختلاطه.

وأمَّا التدليس: فَمَدْفُوعٌ برواية شُعبة بن الحَجَّاج - التي أشار إليها الدَّارقُطني، كما في التخريج -، فَيُتَوقَّف في عَنْعَنة أبي إسحاق إلا إذا كان الحديث مِنْ رواية شُعبة بن الحَجَّاج عنه، فالمعروف أنَّه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفون بالتدليس إلا ما سمعوه، فقد رُوي عن شُعبة، قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبو إسحاق، وقتادة - كما سبق في ترجمته -.

قلتُ: والحديث ضَعَّفه الألباني، فقال: ضَعيفٌ … رجاله ثقات؛ غير أن أبا إسحاق كان قد اختلط، ثم هو إلى ذلك مُدَلِّس وقد عنعنه … نعم؛ برواية سفيان الثوري تزول شبهة الاختلاط؛ فإنه مِمَّن سَمِعَ منه قديماً بالاتفاق، وتترجح روايته على رواية إسرائيل، ولا سيما وقد تابعه زُهَيْر، ولكن تبقى العلة الأخرى وهي


(١) يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (٢/ ٥١٩).
(٢) يُنظر: "مجمع الزوائد" (١٠/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>