للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده. (١)

قلتُ: وعليه فالحديث بمجموع طُرُقه، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.

خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن القاسم إلا الحارثُ، تَفَرَّدَ به: عبدُ الواحدِ بنُ زِيَادٍ.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يتضح لنا صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

والحديث أخرجه البزَّار في "مسنده" - كما سبق - عن عَمْرو بن بِشْر النَّاجي، عن عفَّان بن مُسلم، عن عبد الواحد بن زِياد، بسنده، وقال البَزَّار: لا نعلمه يُروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد.

قلتُ: لكن لم يَنْفرد به عَمْرو بن بِشْر عن عَفَّان بن مُسلم، بل تابعه خمسة مِن الرواة مِنهم: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وزُهير بن حرب، وأحمد بن القاسم الجوهري، وغيرهم.

ولم يَنْفرد به عَفَّان بن مُسلم أيضاً، بل تابعه مُسدد بن مُسَرْهد، وقد سبق تخريج هذه المتابعات.

بالإضافة إلى أنَّ الحديث قد جاء مِن وجهٍ آخر عن ابن مسعود - كما عند الطبراني في "الكبير" -، وهو الوجه الثاني الذي أخرجته في حديث الباب.

ولا يُعترض على البزار برواية البخاري ومسلم عن عَمرو بن ميمون، إذ ليس فيها ذكر الصفوف.

وعليه؛ فعبارة المُصَنِّف - رضي الله عنه - في إطلاق التفرد على الحديث جاءت أدقُّ مِن عبارة البَزَّار رحمه الله، لكون التفرد توقف عند عبد الواحد بن زِياد، ثُم اشتهر عنه، والله أعلم.

سادساً: - التعليق على الحديث:

قال الإمام النووي: قَوْلُهُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ». أمَّا تكبيرهم فَلِسُرُورِهِم بهذه البِشَارَةِ العظيمةِ، وأمَّا قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ الشَّطْرَ" ولم يقُل أوَّلًا شَطْرَ أهل الجنَّة، فلفائدة حسنة: وهي أنَّ ذلك أوقع في نُفُوسِهِم، وأبلغ في إكرامهم، فإنَّ إعطاء الإنسان مرَّةً بعد أخرى دَلِيلٌ على الاعتناء به ودوام مُلَاحظته. وفيه فائدةٌ أُخْرَى: هي تكريرُهُ البشارة مرَّة بعد أُخْرَى. وفيه أيضا: حملهم على تجديد شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه. ثُمَّ إِنَّهُ وقع في هذا الحديث "شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ" وفي الرِّواية الأُخرى "نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ "أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا" فهذا دَلِيلٌ على أنَّهم يكونون ثُلُثَي أهل الجنَّة، فيكون النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر أوَّلا بحديث الشَّطر ثُمَّ تَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالزِّيَادَةِ فأُعلم بحديث الصفوف، فأخبر النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، ولهذا نَظَائِرُ كثيرةٌ في الحديث معروفةٌ. (٢)


(١) يُنظر: "صحيح الجامع" (٢٥٢٦).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح مسلم" (٣/ ٩٥ - ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>